Saturday, January 6, 2007

حزب الله : بحث ٌ في الأصول والهوية





ماذا يحصل في لبنان؟

لقد ذكر المفكر الأميريكي-الاسباني جورج سانتانيا أن هؤلاء الذين لا يتذكرون الماضي، مخولون اعادته. وقد اعلن الفرنسي لامارتين أن الماضي يُعَلِم كل شيء، بما في ذلك المستقبل.
لذلك، فان أي أمة تبنى عبر نكران الماضي وتجاهله، هي أمة محكومة بالزوال. كالغبي الذي "بَنَى بيته علَى الرملِ، فنزلَت الأمطَار، وجرت السيول، وهبّت الْعواصف، فَضربت ذلك البيت، فَسقَط، وكَان سقوطه عظيما"(انجيل متى- ف 7: 26-27)
ومن بديهيات العمل السياسي, في أي دولة ما، أن يعمد المحتل الى تشويه الحقائق التاريخية، مما يسمح له بناء معطيات جديدة يعمد الى تصديقها والعمل عليها.


وما جرى في لبنان، في العقد المنصرم، ليس سوى محاولات تندرج في السياق عينه. وقد أثبت الشعب اللبناني، عن ذاكرة ضعيفة ٍ جدا ً ، سمحت للعابثين بالاستمرار في التلاعب بالواقع عبر استخدام مغلوط للماضي.


لا يمكن لنا اليوم بناء وطن ٍ ودولة على أسس ٍ ضعيفة، وان كانت الحقائق يعاد تصنيعها يوميا ً ، فمن الواجب أن نعطي التاريخ حقه المقدس.


المقاومة الاسلامية بين الواقع والخيال.

لم يترك حزب الله فرصة الا وسعى الى تصوير نفسه كالسدّ المنيع في وجه اسرائيل. وان كان هذا الأمر قد بات واقعا ً في السنوات المنصرمة، الا أنه في الحقيقة ناتج عن معطيات عدة.

يوم عمدت اسرائيل الى اجتياح لبنان عام 1982، لم يكن حزب الله قد أبصر النور بعد، وانطلقت في شوارع بيروت موجات من المقاومة في وجه المحتل. في تلك الأيام، وقف الشهيد جورج حاوي وطلب في البيان التأسيسي لجبهة المقاومة الوطنية أن " تنتظم صفوف الوطنيين اللبنانين كـافة و بغض النظر عن انتماءاتهم السـابقة وعن الإختلافـات الأيدولوجيّة و الطائفية و الطبقية, في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الإحتلال الإسرائيلي, كسراً للقيد الذي تحاول أن تفرضه اليوم أميركا و إسرائيل على عنق شعبنا الحر و رفعاً لراية التحرر الحقيقي لشعبنا العظيم".(البيان التأسيسي-16 أيلول 1982).
كانت هذه الرسالة ، وقد سبقها بعض العمليات الشيوعية والقومية ، الشرارة الأولى للمقاومة الوطنية ضد اسرائيل.

شهدت ايران عام 1979 حدثا ً مهما ً جدا ً; فقد أُعلنت في ضواحي طهران قيام الدولة الاسلامية، مقامها ولاية الفقيه ومسعاها نشر الثورة في كل العالم. ومن هذا المنطلق، كان أمام الشيعة في لبنان خيارين:
اما الالتزام المطلق بالثورة الخمينية، مما يفرض عليهم تبعات دينية وسياسية، واما التنكر للثورة، مما يفرض عليهم حظرا ً دينيا ً كبيرا ً ويولد ضعفا ً سياسيا ً دائما .
وبحيث"إن علاقة قديمة مع قادة إيران الإسلامية بدأت قبل قيام الجمهورية الإسلامية، إنها علاقة صداقة وثقة متبادلة" كما يقول العلامة محمد حسين فضل الله في مجلة المجتمع عدد 955، وبحيث أن الشارع السني كان يستفيد من الدعم العربي ومنظمة التحرير الفلسطينينة، فضل الشيعة اختيار الطريق الأسهل وعمدوا الى موالاة الثورة بكل أطيافها.
وبدأت علاقة جديدة بين ايران واللبنانيين، علاقة طالب بمرجعيته.

من الجدير بالذكر أيضا ً، أن الشيعة لم يكونوا يوما ً في قائمة أعداء اسرائيل. ومن هذا المنطلق، يقول حيدر الدايخ، أحد الزعماء في حركة أمل :" كنا نحمل السلاح في وجه اسرائيل ولكن اسرائيل فتحت ذراحيها لنا واحبت مساعدتنا . لقد ساعدتنا اسرائيل على اقتلاع الارهاب الفلسطيني من الجنوب"(مجلة الاسبوع العربي 24/10/1983).
وقد ذكرت أيضا ً وكالة رويترز في 1/7/1982 أن القوات الاسرائيلية لم تسمح سوى لحركة أمل بالاحتفاظ بمواقعها في بلدة النبطية. وحيث أن حركة أمل هي العمود الفقري للطائفة الشيعية آنذاك، يتضح للمراقب أن الوضع لم يكن متوتراً بين اسرائيل وسكان الشريط الحدودي من الشيعة.

ومن البديهي، لمعرفة السبب الكامن وراء هذا الموضوع مراقبة تصريحات قادة اسرائيل في هذا السياق. فها هو شارون يعلن في مذكراته أنه لم ير "يوماً في الشيعة أعداء إسرائيل على المدى البعيد" (مذكرات شارون- ص 583)

لكن أين حزب الله من هذا الموضوع؟

لم تكن الصورة قد اتضحت بعد، حيث طلب الامام الخميني من نبيه بري، رئيس حركة أمل ، المزيد من الالتزام بالثورة، فكان رد الأخير الرفض مما أدى الى انشقاق في صفوف حركة أمل وولدت حركة أمل الاسلامية، النواة الرئيسية لحزب الله.
اذا ً، الحزب ليس وليدة مشاعر وحاجات لدى اللبنانيين، بل هو نتيجة تجاذبات وصراعات بين ايران وامتدادها الشيعي في لبنان.

يذكر الفرنسي أولفيه روا ، في سياق حديثه عن الارتباط الايراني اللبناني وسبب قيام حزب الله ما يلي : "
كما بذلت إيران ما في وسعها منذ قيام الثورة لإدماج الأقليات الشيعية الأجنبية سياسياً تحت قيادة الإمام، وهكذا دعمت في فترة أولى تمتد حتى عام 1982م، كافة الحركات الشيعية الصرفة مثل حركة أمل في لبنان. بعد ذلك راحـت تطلب المزيد من الراديكالية والمزيد مـن التخلّي ـ فـي آن معاً ـ عن المرجعية الوطنية والاندماج في بنى إيرانية محضة... وهذه الفترة الثانية هي الفترة التي بدأ فيها ظهور الأحزاب التي دُعيت بأنها أحزاب الله، فإن السفارة الإيرانية في بيروت أصبحت بمثابة قيادة الأركان الشيعية الحقيقية في لبنان؛ حيث شرع حزب الله وأمل الإسلامية التي نشأت عام 1982م في معارضة حركة أمل. (تجربة الإسلام السياسي، ص 182 ـ 183)



اذا ان ولادة حزب الله نتجت عن تبلور فكر ٍ ايراني يقضي بمزيد من الارتباط بين الشيعة في العالم ومرجعية الثورة.

يوم اجتاحت اسرائيل الأراضي اللبناني، دعا الرئيس الياس سركيس الى تشكيل هيئة اغاثة وطنية، قبل نبيه بري المشاركة بها، بينما رفضت ايران ذلك، فانشق حسين الموسوي عن الحركة واعلن تنظيمه الخاص (أمل الاسلامية).

عمدت ايران اذا ً على دعم حركة أمل الاسلامية وتطويرها لتصبح حزب الله. ويذكر كينيث كاتزمان " إن الأجهزة الإيرانية كافة، من حوزات قم إلى حرس الثورة، ومن الدعاة، إلى وزارة الداخلية، سهرت على الشأن اللبناني" (الحرس الثوري الإيراني نشأته وتكوينه ودوره- ص 104)
حزب الله لم يكن حزبا ً سياسيا ً عاديا ً ، بل هو في المرحلة الأساسية، الذراع العسكرية للنظام الايراني في لبنان.
يوم وقف الامام الخميني في يوم القدس في ايران، واعلن للعالم الاسلامي أجمع ضرورة حمل السلاح في وجه المغتصبين، لم يكن يسعى لتلفيق الخطابات وتحريك المشاعر، بل كان يضع الحجر الأساس في المرحلة الجديدة في معادلة الشرق الأوسط.

بعد سنتين من الثورة الخمينية، أي في عام 1981، أنشأت ايران ما يسمى المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العالم. وقد شمل دور هذا المجلس نشر ثقافة الثورة في العالم مما يسمح بقيام دول ٍ اسلامية ترتبط بولاية الفقيه. ومن هذه الخلفية، تم خلق حزب الله بالتعاون مع النظام السوري عبر سفير ايران في سوريا "علي أكبر محتشمي".

وعلى الرغم أن ايران بدأت العمل على تأسيس حزب الله قبل عام 1982،الا أن حركة أمل كانت هي الممثل الوحيد للشيعة،وبعد الخلاف أبان الاجتياح، نشأت حركة أمل الاسلامية. الا أن معظم قيادات حزب الله بقيت قيد الكتمان وحظي الحزب بالسرية التامة حتى اعلانه في رسالة وجهها الحزب الى العالم، عام 1985.

قام الحزب بين عامي 1982 و 1985 ببث بذور الثورة في صفوف المجتمع الشيعي الجنوبي والبقاعي. وحين بدأت بوادر الانتصار تبرز، تم الكشف عن حزب الله.
ما هو الدور الذي أرادته ايران فعلا ً من انشاء حزب الله؟
هذا السؤال المعقّد تطلّب اجابة بسيطة من الناطق الرسمي لحزب الله قائلا ً " نحن نعمل في لبنان من خلال المسؤولية الشرعية ومن خلال القناعة السياسية أيضاً، حتى يصبح لبنان جزءاً من مشروع الأمة في منطقة الشرق الأوسط،"

انها اذا ً مسؤولية شرعية! لم يعد الأمر مناورات سياسية أو استراتجيات بقاء. ان الدين الاسلامي يدخل على المحك هنا. لا يستطيع حزب الله اذا ً التبرأ من ايران على الرغم من بعض التباينات في وجهات النظر.
وهذه المسؤولية الشرعية عبّر عنها سفير ايران في لبنان فخر روحاني حين قال " لبنان يشبه الآن إيران عام 1977 ، ولو نراقب ونعمل بدقة وصبر ، فإنه إن شاء الله سيجيء إلى أحضاننا ، وبسبب موقع لبنان وهو قلب المنطقة ، وأحد أهم المراكز العالمية فإنه عندما يأتي لبنان إلى أحضان الجمهورية الإسلامية ، فسوف يتبعه الباقون"(صحيفة اطلاعات الإيرانية في نـهاية الشهر الأول من عام 1984)

كما يعتبر السفير نفسه أن لبنان " يشكل خير أمل لتصدير الثورة الإسلامية" (النهار -11/1/ 1984)

بناء على هذا ، دور حزب الله يقتصر على تصدير الثورة، وعلى العمل لقيام نظام اسلامي في لبنان.
هذه التطلعات ليست مستحدثة، بل عبّر عنها قادة حزب الله مرارا ً وتكرارا ً .
ففي البيان التأسيسي، يعلن حزب الله الأمر التالي :
" إننا أبناء أمة حزب الله نعتبر أنفسنا جزءاً من أمة الإسلام في العالم ... إننا أبناء أمة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران، وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم.. نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط، وتتجسد حاضراً بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني دام ظله.. مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة. وعلى هذا الأساس فنحن في لبنان لسنا حزباَ تنظيمياً مغلقاً، ولسنا إطاراً سياسياً ضيقاً.. بل نحن أمة ترتبط مع المسلمين في كافة أنحاء العالم برباط عقائدي وسياسي متين هو الإسلام"

يعلن الحزب نفسه جزءا ً من الثورة الخمينية، فهو ليس حزبا ً سياسيا ً ، بل امتدادا ً دينيا ً ، يرتبط بالمسلمين في كافة العالم!
اذا ً ، الحزب ليس لبناني بقدر ما هو اسلامي. فالاطار الوطني لا يجد صدا ً داخل الأحزاب الدينية.
فالولاء للدين، والمرجعية لايران، وأي كلام خارج هذا الاطار يكون في خانة تضييق الخناق على حزب الله.

ان العلاقة التي تربط حزب الله بايران هي " هي علاقة تلميذ بمدرسة0"حسب قول الشيخ محسن عطوة في 31/3/1986 خلال المؤتمر الأول لمؤسسة الشهيد.
غير أن الأمور لم تكن معقّدة بالنسبة لقيادة حزب الله. فايران هي الدولة المحورية التي تتوسط العالم الشيعي، ومن البديهي أن تكون ولاية الفقيه التي حلت مقام الامام المعصوم، المرجعية الوحيدة للشيعة في لبنان.
وعلى هذا الأساس، وحيث أن الامام الخميني يقول " إن كل من يتظاهر بالرأي القائل بعدم ضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية فهو ينكر ضرورة تنفيذ أحكام الإسلام، ويدعو إلى تعطيلها وتجميدها، وهو ينكر بالتالي شمول وخلود الدين الإسلامي الحنيف" (الحكومة الإسلامية، ص 27)، رأت قيادة حزب الله ضرورة الالتزام بقيام دولة اسلامية في لبنان! فها أن الأمين العام الحالي، والقيادي السابق السيد حسن نصرالله يعلن أن" لبنان وهذه المنطقة هي للإسلام والمسلمين، ويجب ان يحكمها الإسلام والمسلمون" (السفير-).
على لبنان أن يكون دولة اسلامية لتستقيم فيه الأمور. ولبنان الاسلامي ليس دولة مستقلة. فابراهيم الأمين، الناطق الرسمي باسم حزب الله أوضح مطلبهم قائلا ً " نريد لبنان جزءاً من الدولة الاسلامية وليس كياناً اسلاميا ً منفصلاً0"(الشراع-عن العهد عدد 8)
فلا لبنان مستقل، ولا لبنان علماني. بل وطن اسلا مي يكون جزءا ً من الدولة الاسلامية الكبرى.
ولذلك يقول السيد الأمين أيضا ً " نحن ايران في لبنان ولبنان في ايران0"(النهار 5/3/1987)

هذا الارتباط العضوي هو ارتباط النتيجة بالفعل. فما من حزب الله دون ايران، وما من دور ٍ لايران بدون حزب الله!

ومن الجدير بالذكر أن حسن نصرالله هو الوكيل الشرعي لمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي في لبنان.
لكن حزب الله يحارب اسرائيل منذ أكثر من عقد ٍ ، وهو بذلك يبني لنفسه صورة مختلفة عن ماضيه.
غير أن الحقيقة أمرٌ مختلف.
فالماضي لا يمحى بقرار ٍ سياسي! فحين قررت حركة أمل رفض الانصياع لايران، تم ازالة الحركة من الخارطة الايرانية.
وان كان ما يلمح له البعض أن مشروع الدولة الاسلامية انتهى مع انتهاء الحرب، نذكره أن الفتوى الدينية أمرٌ ملزم ٌ لكل المسلمين المرتبطين بالمفتي، والامام الخميني أعلن ان النظام اللبناني غير شرعي ويجب أن يسقط، فهل يشذ حزب الله عن هذه القاعدة؟
ويجيب علي فياض عضو المجلس السياسي لحزب الله على هذا السؤال معلنا ً : فإن موقف حزب الله الراهن يشدد بشكل أقوى على تحقيق حكم إسلامي في لبنان وبشكل أكثر على حقه في فرض القيم الإسلامية من داخل النظام السياسي ذاته( السفير 31/7/ 1998)

كما أن السيد نصرالله يقول في احد خطبه أمام المؤتمر العربي لدعم المقاومة "نتكلم بلبنان الوطن ولبنان الشعب ولبنان الكيان ولبنان الأمة ، واذا أكملنا على هذا النحو سنتين أو ثلاث ، نصل الى لبنان الاله، فهذه المبالغة هي مبالغة غير منطقية وغير صحيحة"

اذا لبنان الوطن هو مبالغة غير مقبولة. ولبنان الكيان هو حالة مؤقتة حتى الوصول الى الغاء الكيان والدخول في محور الأمة.
ففي أدبيات حزب الله، يبدو أن لبنان الدولة لا يلقى صدا ً رنانا ً.


ففي حين أن مشروع حزب الله لم يتحقق بعد، ولا تزال ايران تعمل على دعم الحزب بكل الوسائل المتاحة، فهل يعقل أن يحتفظ حزب الله لنفسه بمشاريع ٍ خاصة تأتي من خلال وجوده في الجنوب؟

هل يحارب حزب الله اليوم لكسب التعاطف الشعبي والغطاء الشرعي للابقاء على قواته المسلحة لهدف لا يستطيع حزب الله التنصل من وجوده؟

ففي حين أن مشروع حزب الله الرئيسي لا يرتبط باسرائيل، انما تم استغلال الوضع القائم في الجنوب لخلق مجتمع ٍ أشبه بالدويلة يسمح لحزب الله أن يلعب دورا ً أكبر في السياسة اللبنانية.

وهل تغييب الدولة وفرض معادلات ٍ جديدة يهدف الى خلق واقع جديد لتطبيق المثل القائل :"ان رفضت شيئا ً ، أرغبناك به".

سنترك للتاريخ الاجابة عن هذا الموضوع، علنا نتقي شرا ً تحت الرماد.

No comments: