Sunday, January 7, 2007

بين الخير والشر

أعتقد أن الانسان يقع دائما ً في خضم الصراع بين الخير والشر.أي أن رسالة النسان المطلقة هي مدى استطاعته قيادة مجتمعاته الى الطريق المناسب، مستعينا ً بذلك بقدرته المميزة على التحكم بمصيره.تجدر الاشارة هنا الى أن الرسالة هذه، ليست مرتبطة بأي زمان أو مكان، فهي تبقى في كل الأزمنة والأمكنة ، متخطية بذلك حاجز الحياة الآنية.ان الوجود الانساني يدور حول محور هذا الصراع، وانتصار قطب على آخر قد يثبت ماهية الذات الانسانية، ويحدد آفاق المراحل المقبلة في تاريخ البشرية.ليس هنالك أي وجود خارج هذا المحور، بل يصبح الانسان على هامش الصراع، فيفقد دوره ورسالته لتطيح به المتغيرات المستمرة في كيانه الفاني.لا أرى أي دور ٍ للبشرية خارج تحديد مسار تطور الفكر واكتسابه الطاقات اللازمة لعملية انهاء هذا الصراع ، وان كان انهائه شبه مستحيل، لجوهرية مضمونه ، فعلينا أن نسعى لبرمجة أنفسنا للوصول الى حسم خياراتنا في ما يتعلق بأرجحية كفة من كفتي الميزان.

الى فخامة الجنرال

أخطأت... والحسبان عند الله.
عدت، يا صاحب الجلالة، فانهالت براعم الورد من على الشرفات لتطأها قدميك التعبتان.عدت، حاملاً صولجانك المثقل بهموم الناس و ارادة التغيير الصارمة...قاسيا ً كنت، وانتزعت السياسة من فم الأسد... أو فم المعارضة.. فلا فرق، ان المعارضة هي الأسد،فهي الآمرة والناهية، والمتحكمة، بكل مفاصل البلاد!ألم يخطأ سعد الحريري حين تريث في اعلان اسمك لسدة الرئاسة، أنت الذي وقفت الى جانبه في كل المحن!!ألم يخطأ سمير جعجع بالسماح لحزبه ترشيح أعضاء للمجلس النيابي...وهو المدرك ضعف حجمه التمثيلي وهول الزخم المتوافر لدى الناس حول شخصك؟ألم يخطأ وليد جنبلاط بدعوتك تسونامي فور عودتك، وهو مدرك أنك أمين على المعارضة كحياتك، فلا تقبل بشرذمتها ، ولا ترضى باضعافها!!صحيح ٌ أنك أعلنت أنك فرح بتقسيم المعارضة، الا أن ذلك لم يكن الا في باب المشاحنات السياسية! فالكل يدرك من أنت، يا صاحب الجلالة، وتاريخ نضالك الطويل في ظل الرياح العاتية، وكلنا يعلم أن السفينة لن تقع، ما دام هنالك قادة أشداء مستعدون أن يُدفنوا في بلاط قصرهم على أن يتركوا البيت في العاصفة!!غريب أمر بعض أولئك الساسة في لبنان!! فهم حقا ً يريدون شخصا ً نظيف الكف والتاريخ، ثابت في مواقفه، يملك مشروعا ً استراتيجياً للمنطقة وللمستقبل، ويحمل في ملامحه الصدق والنزاهة!!خسئوا ، فكيف تهيأ لهم أن تلك الصفات قد تتواجد ولو للحظات لدى أي من المرشحين الآخرين دون سواك!فأين دوري شمعون من تضحياتك، وأين حزبه من تاريخ نضالك!!صحيح أن الرجل فقد أخا ً !! ولكن، فخامتك خسر سنين من العمر في باريس، وحيدا ًو بعيدا ً عن لبنان وجمال الحياة فيه!!وأين نيلى معوض عن هذه الصورة، وهي التي لم تقدم سوى زوجا ً وسنين من العمر !! لكن الحياة قطار مستمر، فقد كبرت المرأة بالسن ولم تعد تصلح لرئاسة الجمهورية ؛ لا تخف، يا صاحب الجلالة، فسنين عمرك الطويلة ليست سوى منارة لخدمة لبنان في كل المجالات!!ومن هو بطرس حرب؟ وما أهمية كونه نائبا ً منذ عام 1972؟ وكونه حمل مع بضع الأقطاب السيحيين مغبة فشل حرب التحرير ! فهو لم يهرب من لبنان ولم يذق طعم الغربة !
امتلأت جدران بيروت بالشعارات الفارغة المطالبة بالحقيقة!فلا نسمع منهم سوى الاصرار على كشف الفاعلين، الا أنها أمامهم ، منجلية!أنهم من قتل رفيق الحريري لأنه أدرك حجم التيار الوطني الحر فاستنجد به!
أنهم من قتل جبران تويني، لأنه أدرك خطأه الشديد وتاب عنه بعد ما أعلن فارس جلالته الرسمي أن ممثلي بيروت هم خونة ولا يعبرون عن ارادة أهلها!
أنهم من قتل جورج حاوي و سمير قصير، لأنهم رأو في جلالته صورة القائد اليساري المناضل!
أنهم من حاول قتل ميّ شدياق، لأن قلمها الحر عبر مرارا ً عن حالة الرفض لدى الشعب. صحيح ٌ أن الرفض كان في بضع الأحيان لمواقف جلالته ، الا أن ذلك لم يكن سوى لتضليل الاعلام!
كما أنهم، نفذتم المؤامرة، وحاولتم قتل الوزير السابق المقرب من جلالته، لأنه
أدرك أن الخلاص لا يأتي من أصحاب الوعود المنقوصة والمواقف المشرفة!
لما الحيرة حول علاقة حضرتك بالدويلة الاسلامية في لبنان!؟فهل يظنون فعلا ً أنك تريد الرئاسة فقط من وراء ورقة التفاهم؟ ما أصغر عقولهم وأتفه حساباتهم! فلم يضعوا في الحسبان أنك ذهبت زحفا ً الى أحضانهم لتعيدهم الى لبنان، بل تناسوا أنك أعدت القومي والبعثي والناصري الى حظيرة الوطن! ما أعمى بصيرة هؤلاء!
لقد سقط بعضهم في متاهات السياسة عندما سمعوك تتكلم خطابا ً ألفته أبواب عنجر والقبور المتنشرة حواليها... فلم يعرفوا أن هذا تكتيك تعتمده حضرتك لتصل الى السلطة وتحاسب من باع لبنان في عام 1990 عبر حسابات عسكرية وسياسية خاطئة!
صحيح ٌ أن اميل لحود قد مارس العديد من الأخطاء بحق لبنان، الا أن ذلك لا يحرمه الحق بتسمية البديل!!
أي عدل هو ذلك، فللرجل فضل على حالة لبنان اليوم وهو حريص على اكمال المسيرة عبر المطالبة بشخص من المدرسة ذاتها
!يا صاحب الجلالة! لا تكترث لأولئك الذين رفضوك للرئاسة! فحين يُغلق باب، تفتح نافذة!!وان كان البعض يرفضك، فستجد الكثير من ذوي الصيت الحسن ليعلنوا دعمهم لك! فطوبى لبلاطك الذي حمل أمثال السادة وئام وهاب وطلال ارسلان وناصر قنديل!
يا لكرم أخلاقك، سيدي! فعلى الرغم أنك الأب الروحي والفعلي للقرارات الدولية، ولدى حاشيتك فحوص طبية بذلك، الا أنك تنازلت عن حقك ، "كرمى لعين أهل البيت!". يا لشهامتك، فانت فضلت شرذمة 14 آذار وكل المعارضة، لترفض المساومة على مقعد حليف لك في الجبل!! أهل من حب أعظم من أن يبذل الانسان نفسه، في سبيل نفسه؟
ما الفارق ، يا صاحب السمو ان ربحت الهيئات الطلابية أو خسرتها، فان ربحت، كنت الأقوى، وان خسرت، بقيت الأقوى لرفضك المشاركة في انتخابات مزورة! يا للسخرية، كيف يعمد أولئك المنحرفون الى التلاعب بالقوانين لمنع أتباعك من الوصول الى المراكز في الجامعات!
غير أن الباطل لا يدوم طويلا ً ، فالفوز كان من نصيب حضرتك في كل الكليات الاسلامية، لتؤكد للجميع أنك لست طائفيا ً، وتنبذ كل الكلام المتعلق بتمثيلك المسيحيين فقط!
لست ملكا ً للسياسة فقط ، بل أنت للمجتمع في كل محنه! وما ارسال نصف مليون مشارك من قبلك في أضخم مظاهرة نقابية في العالم العربي سوى صورة مصغرة عن اهتمامك الكبير بحقوق مواطنيك!
وقد يسأل سائل، أن أكثرية أتباعك من الطبقة البرجوازية التي تتحكم بالأسواق المالية! فلهم نقول: " ان عهد المحاسبة آت، ولو تأخر قليلاً ، وسيتحمل كل مسؤوليته!". وانطلاقا ً من ايمانك بهذا ، أكدت رفضك للتحالف مع غبريال المر، وفريد الخازن وفريد مكاري، لضلوعهم في مشروع التجنيس وسرقة أموال الخزينة والحصص الوزارية!
ما أكثر أحصنة طروادة يا سيدي !! فحذار منهم!
هنيئا ً لنا، نحن المسيحيين، عقلية المتاجرة والهوس بالشعارات والصور... وهنيئا ً لك هدير أصوات الشهداء الذين دنست قبورهم بأشواك ورود ٍ بيضاء!! هنيئا ً لك المركب الجديد،وللمسيحيين ليال ٍ سوداء قادمة!
أخطأت َ !! وعلى الله الحسبان

ماذا حصل في الجنوب ؟

سقط القناع، عن الوجوه المستعارة!سقطت جوازات السفر في السبات العميق، ونام الوطن على اكليل شوك!
يقولون في لبنان : "بكل عرس، النا قرص".
..رميش، عين ابل، صيدا ، الدامور، بنت جبيل، وباقي أفراد العائلة المنكوبة قضوا ليلة ممتعة في استقبال فصل الصيف. سهروا سويا ً واحتفلوا بتجربة الحرية المسلوبة في تجاذبات الأشقاء... والوسادة البيضاء ليلا ً، تسمرت حمراء في الصباح، وما كان يوما ً عاديا ً ، ما لبث أن تحول كابوس 1982...
كأن ما يجري لا يعنيهم، فهم ليسوا من لبنان الا للتصفيق وللحسابات الانتخابية!!فالأربعاء السلم والخميس الحرب، ثم المفاوضة والاحتفال...وبين الأولى والأخيرة، يدفع اللبنانيون ثمن احتكار القرارات وتصفية التجاذبات...
هدير بنادق الجنود أيقظ بضع الحواس في الجنوب، لتمزق الحراب بضعها الآخر!
ينام اللبناني على أمل بناء دولة ٍ ، فيستقيظ على بدائية الدويلات!
ينام على طاولة الحوار، فيستيقظ بين نيران عراق و ايران!
طائرات ترسم الرعب في سماء الوطن، وقذائف تذكر المواطن بواقعه المرير!
فلدى البعض، ليس لبنان الا حالة استحدثت لحرب العصابات وصراع المصالح...
قائد يهدد، آخرٌ يندد، وثالث يشدد!!
وبين هذا وذاك، سيل من الموطنين يردد :"خلصوا الأغاني، هني و يغنوا...للجنوب...والمعتر بالأرض،دايما ً هوي ذاتو..دايما ً هوي ذاتو..."
صامدا ً، أيها الجنوب... حملت جراح الجميع، وما رزخت...
فالقضية الفلسطينية... في الجنوب..
.والصراع العربي الاسرائيلي... في الجنوب..
.والقوى المتعددة الجنسية...في الجنوب...
سلة المهملات الاسرائيلية...في الجنوب..
.فليعلم القاصي والداني...
بين جسر الدامور والناقورة، يتألم وطن!
وطن ٌ طمره النسيان فاستباحته الأحلام الدموية...
وطن ٌ يحلم بأن تعيد بنائه سواعد أبنائه وارادتهم بالحياة!
وليعلم القريب والبعيد، ان المأساة هي مأساة الجميع...
وما بدأ في الجنوب عام 1982، أطاح بنيرانه عاصمة الشرق...
لنردد ما كان الرئيس بشير جميل يقول دائما ً " من الجنوب سنبدأ بتأسيس الدولة اللبنانية"
وليعلم صاحب الحق، والمغتصِب...
سنعود للحنوب، مهما طال الزمن...
سيعود الجنوب للعلم...
سيعود العلم ليرفرف فوق جباله الشامخة...
وسيعود الوطن بحدّيه...
غدا ً ، يتناسى الجميع ما حدث...فيعود أهل الدار ليكملوا درب جلجلة الجنوب... يناضلون من أجل السلام... يحصدون العلقم مع كل اشراقة شمس، ويُقبِلون الحراب مع كل نسمة هواء...كأسٌ مرّة لكم...يا أبناء وطني...في المساء، سكون ٌ غريب... نام المقاتلون... ولم يبقى في الجنوب ، سوى من يرفض مغادرة التاريخ ، ليكتب هؤلاء بنضالهم المستمر، حكاية الوطن الممزق...

اماذا يتحرك حزب الله؟


عندما تلامس الشمس أعين ساكني الكهوف، تُبهرهم بنورها الساطع...عندما يواجه الجسد العاري برودة المساء، يسقط أمام الضباب المنقشع...سقط القناعالمحكمة الدوليةان موضوع المحكمة الدولية يشغل حيزا ً كبيرا ً من المسائل المتتالية، ان كان هو المسبب بهذه الأحداث أم محفز ٌ لها...أما السبب الكامن وراء هذا الموضوع فهو توق اللبنانيين الى جلاء الحقيقة، ولو لمرة ٍ حول هوية القاتلين...فبعد كمال جنبلاط، بشير الجميل، رشيد كرامي، المفتي خالد، رينيه معوض، داني شمعون،وصولا ًالى جبران وسمير، ملفات تناساها النظام اللبناني، طوعا ً أو قصرا ً ، فاندثرت كلمة الحقيقة من قاموس الدولة اللبنانية.اذا ً، هي خشبة الخلاص، الحلم الأخير، الأمل بدولة القانون...سمها ما شئت، اعرضها كما يحلو لك...فهي في كل الأحوال، ستجلب الظالم الى العقاب.حزب اللهيوم اعتكف وزراء حزب الله عن المشاركة في الحكومة، أُلقي اللوم على الأكثرية تحت ستار التفرد بالقرار وانعدام الشراكة، فأرسلت الحكومة طلب المحكمة عشية اغتيال جبران تويني.وحين اقترب موعد وصول مسودة للمحكمة الدولية ، قرر حزب الله التلويح بشعار حكومة الوحدة الوطنية.غير أن السيد حسن نصرالله نسي موضوع الوحدة الوطنية يوم كان ينعم في دويلته واللبنانيون يقادون الى السجون والمنفى.والسيد نصرالله، تناسى موضوع هذه الوحدة يوم رفض وزرائه اقرار العفو عن سمير جعجع... فالوحدة تتم وأحد الأطراف الرئيسية في السجن بينما هي مستعصية واحدى الكتل غير موجودة في الحكومة ، بنائا ً على ارادتها الشخصية...كما أن السيد نصرالله، لم يعر الوحدة الوطنية أي اهتمام ٍ حين أعلن الحرب على اسرائيل فورط اللبنانين بألف قتيل ٍ وسنين ٍ من الدمار...وعلى رغم من كل هذا الموضوع، قرر بعض المسؤولون في الحزب الاحتماء برداء الوحدة وضرورة المشاركة في الحكم... فكانت ضرورة اشراك الجنرال عون ضمن الحكومة لتأمين التمثيل العادل.تبرز هنا محطتين بارزتين:الأولى، موافقة الأكثرية على اعطاء الجنرال عون مقاعدا ً وزارية توازي كتلته النيابية، مما يعني توسيع الحكومة وتمثيل الجنرال.الثانية، موافقة الجنرال عون على العرض والرحيل من جلسة التشاور عبر خطاب يوصف بالغزل بين 14 آذار والجنرال عون.وكخلاصة هاتين الحالتين، أتت جلسة الحوار اليوم لتبرز واقعا ً مختلفا ً، فالتحالف عون- أمل- حزب الله رفض الصيغة المطروحة واصر على المطالبة بالثلث المعطل.الثلث المعطل تنص المادة 66 من الدستور على التالي : ". أما المواضيع الأساسية فإنها تحتاج إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها. ويعتبر مواضيع أساسية ما يأتي: "تعديل الدستور‎، إعلان حالة الطوارئ وإلغاؤها، الحرب والسلم، التعبئة العامة، الاتفاقات والمعاهدات الدولية...."اذا ً ، الثلث المعطل، أو الثلث الضامن هو عدد من الوزراء الذي يكفي لتعطيل مرور أي قرار ٍ يندرج ضمن المواضيع المحددة في المادة 66.رئيس الجمهوريةحدد رئبس الجمهورية موقفه برفض اقامة جلسة استثنائية من أجل اقرار مسودة المحكمة الدولية مستندا ً الى المادة 52 من الدستور التي تتص أن "يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة".الرابطما هو الرابط بين كل هذه الأحداث؟قد لا تبدو الصورة واضحة لولا استقالة وزراء حزب الله وأمل من الحكومة بعد فشل جلسة التشاور ورفض قوى الرابع عشر من آذار اعطاء النعارضة الثلث المعطل.اذا ً، لم يكن الهدف من التشاور حكومة الوحدة الوطنية، لأن الأكثرية وافقت على هذا البند ، بل كان الموضوع الرئيسي هو الحصول على الثلث لتعطيل انعقاد المجلس واقرار المحكمة الدولية. فرئيس الجمهورية أصر أن المحكمة تندرج ضمن "المعاهدات الدولية" والتي وفقا ً للمادة 66 تحتاج الى ثلثي المجلس.السببوقد يسأل مراقب ٌ نفسه، لماذا يحاول حزب الله تعطيل انعقاد المحكمة الدولية؟ وهل ما سرب عن احتمال تورطه أو تورط رئيس الجمهورية بات جليا ً؟أم أن الأمر يتعلق بحسابات اقليمية تفرض على حزب الله ضرورة الدفاع عن موقع سوريا ضمن الخارضة الاستراتجية للشرق الأوسط فلا تدان بعملية الاغتيال؟في كل الأحوال، بات من الواضح التنسيق بين عون، الطامح الى السلطة، وحزب الله، الذراع العسكرية للنظام الايراني، و رئيس الجمهورية، الذي يحاول الافلات من التورط. فبين هذا وذاك، قد يذهب الوطن في مهب الريح... السفينة في البحر، والبحر في فوضى ً ، والمساء يعمي بصيرة القبطان، فهل ينجو الركاب؟

Saturday, January 6, 2007

المواجهة المحتملة : دوافعها ومخاطرها


تسعى الأوساط الشعبية في حزب الله، بايعاز ٍ من قادتها، ببث أجواء توتر ٍ مستمر في محيطهم البنيوي.
فالحملات الاعلامية المركزة على القوات اللبنانية والحزب الاشتراكي، انما هي تأتي في سياق مشروع ٍ مدبر وضعت أسسه منذ مقتل الشهيد جبران تويني.
انها من سخرية القدر أن تشغل المنار وتلفزيون الجديد دور القاضي الذي يوزع صكوك البراءة والعمالة. وما تاريخ هاتين المحطتين، أو من يمثلان، الا بشاهد ِ على فداحة الموقف ووقاحة القناع.

يسعى حزب الله وسوريا الى اشعال المواجهة في لبنان، تحت ستار المشاركة في الحكم.

أولا ً : لماذا التنطح خلف الشعارات الواهية؟

ان اصرار حزب الله على مبدأ المشاركة في الحكم لا ينطلق من ايمان ٍ راسخ بأحقية الطرف الآخر بالتمثيل الصحيح. فمطالبة الحزب مرارا ً بالدولة الاسلامية ليس سوى دليل على تخطي مبدأ المشاركة وتطبيق مبدأ الأكثرية الديموغرافية أو الأقلية...
الا أن معظم حركات الانقلاب على النظام وعلى السلطة تسبقها نعوت العمالة والتفرد في الحكم.
عندما قرر الخميني اقرار الثورة والاطاحة بنظام الشاه، عمد الى تخوين الحكم ونعته بالعمالة وتجاهل ارادة قسم كبير من شعبه.
هكذا قام صدام حسين بتطبيق ثورته على النظام الأسبق...
وها روسيا تُخبر بلسان لنين أن "الثورة على الحكم هي لمشاركة الطبقة العاملة في السلطة" ، وتخوين كاسترو للنظام الكوبي كان مقدمة للعمل على اسقاطه...
اذا ً ، لا يستطيع حزب الله اسقاط الحكومة الا من خلال ايجاد حالة عصيان ٍ تبدأ بتخوين الأكثرية لتصل الى المواجهة المسلحة.

ثانيا ً : لماذا تريد سوريا المواجهة اللبنانية الداخلية؟

تسعى سوريا منذ خروجها من لبنان مرغمة ً ، على الاخلال بالأمن في سبيل تحقيق الهدفين التاليين:
1- اسقاط الحكم المنبثق من ثورة الأرز واستبداله بحكم ٍ أقله موال ٍ لنظام الأسد.
2- التنصل من المحكمة الدولية عبر تصوير لبنان للمجتمع الدولي كدويلات منقسمة على بعضها، لم يُثبت استقرارها الا الوجود السوري المسلح.

لذل تعمد سوريا الى التحريض أو القيام باغتيالات تولد لدى أحد الأطراف حالة هلع ورغبة انتقام، فيما تقوم أجهزتها بتعبئة الطرف الآخر تحت حجج ٍ واهية: المطلوب واحد، الاقتتال الداخلي بين القوى الأمنية وحزب الله.


ثالثا ً : أين حزب الله من المواجهة؟

عام 1943، استقر الميثاق الوطني على اتفاق ٍ سني- ماروني، مرتكز ٌ على توازن ُ يخلقه العامل الدرزي.
على أنقاض الحرب الأهلية، ساوم السنة والمسيحييون في الطائف وتوصلوا الى اتفاق دستور جديد.
وقف حزب الله يومها موقف المعادي الشديد للطائف واعدا ً "بتمزيقه أربا ً .
يجد اليوم حزب الله من المواجهة فرصة ليفرض شروط المنتصر، فهو يعتبر أن أي مواجهة ستؤدي فورا ً الى انقسام الجيش والقوى الأمنية، وبالتالي الى سيطرة ميدانية لقواته مما يسمح له بفرض مطالبه التي بدأ يروج لها طراد حمادة مؤخرا ً عن وصول الشيعة الى رئاسة الجمهورية.

رابعا ً : ما المطلوب من قوى 14 آذار؟

المطلوب بسيط جدا ً ومعقد ُ جدا ً !
فخيار المواجهة في أفضل نتائجه خسارة على الحكومة، وفي أسوئها ضياع الوطن في تجاذبات ٍ متعددة!
المطلوب اذا ً ، الامتناع عن أي عمل استفزازي، أو رد ّ فعل ٍ غرائزي، أو مظاهر انتقامية. المطلوب وعي ٍ جماعي، يُسقط مشروع الفتنة التي يراهن الحزب عليها لاسقاط الدولة والنظام في لبنان!

الى بشير : في ظلمة الأيام!

بينما كانت تمر يدي على رف مكتبة تآكلها الغبار، انسلت كأنها تبحث عن ماض ٍ أليم!
سرقت من احد الرفوف كتابا ً وفتحته...فتوقفت ساعة المساء للحظات...

هي صورة...وليست ككل الصور!
طفل ٌ صغير، لم يتجاوز سن السابعة، يحمل الدمعة في عينيه ويحبس أنفاسه. يداه تتمسكان بقطعة خشب كأنها صخرة الخلاص!
انها يافطة صغيرة، حكت ما يكفي من الكلمات لتغتال الوطن :"وداعا ً يا عمر المسيح – أطفال الفياضية"
انه بشير...ابن الثلاثة وأربعون وردة في سماء لبنان...
مرت قافلة الشهداء من أمامي- غاضبة – يقودها بشير من جديد

سمعت صوته يدوي بين الغيوم...يعلم الوفاء والمقاومة لأشباه الرجال!
ذُهلت!
أمسكت قميصه الأزرق، ورفعته ليستفيق!!! صرخت كمن فقد حبيبه:" قف! حطم تابوتك الخشبي! عد لي، عد لنا! عد للبنان..." وعلى صوتي قطرات الخشوع والغضب...
رمقني بنظرة أوقفت مجرى الدماء في عروقي، وأجاب بصوته المعتاد:

"أعود؟ وهل رحلت؟"
ثلاثة كلمات اختصرت الواقع كله...فالشهداء لا يرحلون..
عادت المشاهد من ذلك المبنى المنقض على الحطام...
مرت صولانج تبحث بين التراب عن شيئا ً يقيها الدموع! لرب ّ تعثرعلى بضع ٍ من بشير...
تذكرت صورة بيار، والدمعة الناصعة التي تمايلت على وجنتي المارد...
تذكرت الأيادي التي امتدت الى الأفواه تسكتها ! فما من كلام دون بشير ، وما من أحلام ٍ دون بشير ! فهو الحلم، وهو كل الكلام!!
كل الناس شربت كأس الجنون...وانحصر العالم كله في تلك البقعة من المبنى المشؤوم...فسنين الانتظار ولت.. والأحلام والوعود...انهارت...
غابت العصافر عن بكفيا في الصباح التالي فهي رفضت الغناء في أزمة الصلاة!
خيم سكون ٌ غريب على الأجواء
فها هي عين الرمانة تصرخ صامتة لبشير...
وها هي زحلة تعصر كرومها دماءا ً ، حزنا ً على بشير...
وها هو المتن الذي أنجبه، ينعي طفلا ً فقده...
وها هي الأشرفية تبكي حبيبها..ففي كل الشوارع بقايا من بشير...
وها كسروان وجبيل، والشكال المتين والجبل المنيع، وكل صلابة الوديان تنحني كالمفجوعة عليه
ها هم أبطال المقاومة يسجنون شفاههم الثقلة بالدماء والأنين...
وبين الحين والآخر، تسمع من احد البيوت بكاء مسترسل نامت عليه الأشجارفي ذلك اليوم!
مات بشير...كيف يموت؟
وهل بذور الثورة في عيني الأبطال تموت؟
هل يموت الأرز في العواصف؟
رفض الناس الواقع! أبوا التصديق أن باب السماء فتح لبشير...
أرادوا ابقاؤه بينهم، بين أيديهم!
تنشطر القلوب حين يتذكرون أنهم لن يروا قامته بعد اليوم...
لن يدوي صوته في قمم الجباب ليمنع المحتل من النوم...
لن يسكب كأس الخمر لرفاقه ، لن يسقيهم المجد بعد اليوم!
التفت الى السماء أراقبها!
سماء ٌ رصعتها نجوم الشهداء...
خرج بشير من الأرض عبر الباب العريض...تركنا نبحث عن ضوء ٍ في كل مكان!
علمنا ان الايمان يفرض التضحيات، وبذل الذات من أجل لبنان هو قمة العطاء...
أعطى الكثير...وله منا الكثير...
أعطانا روحا ً تنبض في عروقنا، وطنا ً نحلم ببنائه، ومجتمعا ً نسعى لخلقه...
وله منا اليوم، أن نعاهده الوفاء ، ونحمل مجددا ً الشعلة لنضيئ سماء لبنان...

تذكرت خطابه الأول عام 1974 حيث قال :"لقد قررنا أن نبقى في الشرق زهرة، وفي العالم ضميرا ً، فهبوا يدا ً واحدة وقلبا ً واحدا ً الى النضال والكفاح من أجل لبنان الرهان!"

غير أن صوت بشيرأيقظني من سباتي...
تذكرت- يوم رحيل مايا- ما قاله "مايا متلا متل هال 5000 شهيد"
اذا ً "بشير متالو متل هال5000 شهيد"
فعاش الشهداء لنا، نورا ً في ظلمات الوطن، ودمنا لهم حصنا ً منيعا ً في وجه العواصف والرياح العاتية!
لك، بشيرجميل، القائد الشاب، ألف تحية!

حزب الله : بحث ٌ في الأصول والهوية





ماذا يحصل في لبنان؟

لقد ذكر المفكر الأميريكي-الاسباني جورج سانتانيا أن هؤلاء الذين لا يتذكرون الماضي، مخولون اعادته. وقد اعلن الفرنسي لامارتين أن الماضي يُعَلِم كل شيء، بما في ذلك المستقبل.
لذلك، فان أي أمة تبنى عبر نكران الماضي وتجاهله، هي أمة محكومة بالزوال. كالغبي الذي "بَنَى بيته علَى الرملِ، فنزلَت الأمطَار، وجرت السيول، وهبّت الْعواصف، فَضربت ذلك البيت، فَسقَط، وكَان سقوطه عظيما"(انجيل متى- ف 7: 26-27)
ومن بديهيات العمل السياسي, في أي دولة ما، أن يعمد المحتل الى تشويه الحقائق التاريخية، مما يسمح له بناء معطيات جديدة يعمد الى تصديقها والعمل عليها.


وما جرى في لبنان، في العقد المنصرم، ليس سوى محاولات تندرج في السياق عينه. وقد أثبت الشعب اللبناني، عن ذاكرة ضعيفة ٍ جدا ً ، سمحت للعابثين بالاستمرار في التلاعب بالواقع عبر استخدام مغلوط للماضي.


لا يمكن لنا اليوم بناء وطن ٍ ودولة على أسس ٍ ضعيفة، وان كانت الحقائق يعاد تصنيعها يوميا ً ، فمن الواجب أن نعطي التاريخ حقه المقدس.


المقاومة الاسلامية بين الواقع والخيال.

لم يترك حزب الله فرصة الا وسعى الى تصوير نفسه كالسدّ المنيع في وجه اسرائيل. وان كان هذا الأمر قد بات واقعا ً في السنوات المنصرمة، الا أنه في الحقيقة ناتج عن معطيات عدة.

يوم عمدت اسرائيل الى اجتياح لبنان عام 1982، لم يكن حزب الله قد أبصر النور بعد، وانطلقت في شوارع بيروت موجات من المقاومة في وجه المحتل. في تلك الأيام، وقف الشهيد جورج حاوي وطلب في البيان التأسيسي لجبهة المقاومة الوطنية أن " تنتظم صفوف الوطنيين اللبنانين كـافة و بغض النظر عن انتماءاتهم السـابقة وعن الإختلافـات الأيدولوجيّة و الطائفية و الطبقية, في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الإحتلال الإسرائيلي, كسراً للقيد الذي تحاول أن تفرضه اليوم أميركا و إسرائيل على عنق شعبنا الحر و رفعاً لراية التحرر الحقيقي لشعبنا العظيم".(البيان التأسيسي-16 أيلول 1982).
كانت هذه الرسالة ، وقد سبقها بعض العمليات الشيوعية والقومية ، الشرارة الأولى للمقاومة الوطنية ضد اسرائيل.

شهدت ايران عام 1979 حدثا ً مهما ً جدا ً; فقد أُعلنت في ضواحي طهران قيام الدولة الاسلامية، مقامها ولاية الفقيه ومسعاها نشر الثورة في كل العالم. ومن هذا المنطلق، كان أمام الشيعة في لبنان خيارين:
اما الالتزام المطلق بالثورة الخمينية، مما يفرض عليهم تبعات دينية وسياسية، واما التنكر للثورة، مما يفرض عليهم حظرا ً دينيا ً كبيرا ً ويولد ضعفا ً سياسيا ً دائما .
وبحيث"إن علاقة قديمة مع قادة إيران الإسلامية بدأت قبل قيام الجمهورية الإسلامية، إنها علاقة صداقة وثقة متبادلة" كما يقول العلامة محمد حسين فضل الله في مجلة المجتمع عدد 955، وبحيث أن الشارع السني كان يستفيد من الدعم العربي ومنظمة التحرير الفلسطينينة، فضل الشيعة اختيار الطريق الأسهل وعمدوا الى موالاة الثورة بكل أطيافها.
وبدأت علاقة جديدة بين ايران واللبنانيين، علاقة طالب بمرجعيته.

من الجدير بالذكر أيضا ً، أن الشيعة لم يكونوا يوما ً في قائمة أعداء اسرائيل. ومن هذا المنطلق، يقول حيدر الدايخ، أحد الزعماء في حركة أمل :" كنا نحمل السلاح في وجه اسرائيل ولكن اسرائيل فتحت ذراحيها لنا واحبت مساعدتنا . لقد ساعدتنا اسرائيل على اقتلاع الارهاب الفلسطيني من الجنوب"(مجلة الاسبوع العربي 24/10/1983).
وقد ذكرت أيضا ً وكالة رويترز في 1/7/1982 أن القوات الاسرائيلية لم تسمح سوى لحركة أمل بالاحتفاظ بمواقعها في بلدة النبطية. وحيث أن حركة أمل هي العمود الفقري للطائفة الشيعية آنذاك، يتضح للمراقب أن الوضع لم يكن متوتراً بين اسرائيل وسكان الشريط الحدودي من الشيعة.

ومن البديهي، لمعرفة السبب الكامن وراء هذا الموضوع مراقبة تصريحات قادة اسرائيل في هذا السياق. فها هو شارون يعلن في مذكراته أنه لم ير "يوماً في الشيعة أعداء إسرائيل على المدى البعيد" (مذكرات شارون- ص 583)

لكن أين حزب الله من هذا الموضوع؟

لم تكن الصورة قد اتضحت بعد، حيث طلب الامام الخميني من نبيه بري، رئيس حركة أمل ، المزيد من الالتزام بالثورة، فكان رد الأخير الرفض مما أدى الى انشقاق في صفوف حركة أمل وولدت حركة أمل الاسلامية، النواة الرئيسية لحزب الله.
اذا ً، الحزب ليس وليدة مشاعر وحاجات لدى اللبنانيين، بل هو نتيجة تجاذبات وصراعات بين ايران وامتدادها الشيعي في لبنان.

يذكر الفرنسي أولفيه روا ، في سياق حديثه عن الارتباط الايراني اللبناني وسبب قيام حزب الله ما يلي : "
كما بذلت إيران ما في وسعها منذ قيام الثورة لإدماج الأقليات الشيعية الأجنبية سياسياً تحت قيادة الإمام، وهكذا دعمت في فترة أولى تمتد حتى عام 1982م، كافة الحركات الشيعية الصرفة مثل حركة أمل في لبنان. بعد ذلك راحـت تطلب المزيد من الراديكالية والمزيد مـن التخلّي ـ فـي آن معاً ـ عن المرجعية الوطنية والاندماج في بنى إيرانية محضة... وهذه الفترة الثانية هي الفترة التي بدأ فيها ظهور الأحزاب التي دُعيت بأنها أحزاب الله، فإن السفارة الإيرانية في بيروت أصبحت بمثابة قيادة الأركان الشيعية الحقيقية في لبنان؛ حيث شرع حزب الله وأمل الإسلامية التي نشأت عام 1982م في معارضة حركة أمل. (تجربة الإسلام السياسي، ص 182 ـ 183)



اذا ان ولادة حزب الله نتجت عن تبلور فكر ٍ ايراني يقضي بمزيد من الارتباط بين الشيعة في العالم ومرجعية الثورة.

يوم اجتاحت اسرائيل الأراضي اللبناني، دعا الرئيس الياس سركيس الى تشكيل هيئة اغاثة وطنية، قبل نبيه بري المشاركة بها، بينما رفضت ايران ذلك، فانشق حسين الموسوي عن الحركة واعلن تنظيمه الخاص (أمل الاسلامية).

عمدت ايران اذا ً على دعم حركة أمل الاسلامية وتطويرها لتصبح حزب الله. ويذكر كينيث كاتزمان " إن الأجهزة الإيرانية كافة، من حوزات قم إلى حرس الثورة، ومن الدعاة، إلى وزارة الداخلية، سهرت على الشأن اللبناني" (الحرس الثوري الإيراني نشأته وتكوينه ودوره- ص 104)
حزب الله لم يكن حزبا ً سياسيا ً عاديا ً ، بل هو في المرحلة الأساسية، الذراع العسكرية للنظام الايراني في لبنان.
يوم وقف الامام الخميني في يوم القدس في ايران، واعلن للعالم الاسلامي أجمع ضرورة حمل السلاح في وجه المغتصبين، لم يكن يسعى لتلفيق الخطابات وتحريك المشاعر، بل كان يضع الحجر الأساس في المرحلة الجديدة في معادلة الشرق الأوسط.

بعد سنتين من الثورة الخمينية، أي في عام 1981، أنشأت ايران ما يسمى المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العالم. وقد شمل دور هذا المجلس نشر ثقافة الثورة في العالم مما يسمح بقيام دول ٍ اسلامية ترتبط بولاية الفقيه. ومن هذه الخلفية، تم خلق حزب الله بالتعاون مع النظام السوري عبر سفير ايران في سوريا "علي أكبر محتشمي".

وعلى الرغم أن ايران بدأت العمل على تأسيس حزب الله قبل عام 1982،الا أن حركة أمل كانت هي الممثل الوحيد للشيعة،وبعد الخلاف أبان الاجتياح، نشأت حركة أمل الاسلامية. الا أن معظم قيادات حزب الله بقيت قيد الكتمان وحظي الحزب بالسرية التامة حتى اعلانه في رسالة وجهها الحزب الى العالم، عام 1985.

قام الحزب بين عامي 1982 و 1985 ببث بذور الثورة في صفوف المجتمع الشيعي الجنوبي والبقاعي. وحين بدأت بوادر الانتصار تبرز، تم الكشف عن حزب الله.
ما هو الدور الذي أرادته ايران فعلا ً من انشاء حزب الله؟
هذا السؤال المعقّد تطلّب اجابة بسيطة من الناطق الرسمي لحزب الله قائلا ً " نحن نعمل في لبنان من خلال المسؤولية الشرعية ومن خلال القناعة السياسية أيضاً، حتى يصبح لبنان جزءاً من مشروع الأمة في منطقة الشرق الأوسط،"

انها اذا ً مسؤولية شرعية! لم يعد الأمر مناورات سياسية أو استراتجيات بقاء. ان الدين الاسلامي يدخل على المحك هنا. لا يستطيع حزب الله اذا ً التبرأ من ايران على الرغم من بعض التباينات في وجهات النظر.
وهذه المسؤولية الشرعية عبّر عنها سفير ايران في لبنان فخر روحاني حين قال " لبنان يشبه الآن إيران عام 1977 ، ولو نراقب ونعمل بدقة وصبر ، فإنه إن شاء الله سيجيء إلى أحضاننا ، وبسبب موقع لبنان وهو قلب المنطقة ، وأحد أهم المراكز العالمية فإنه عندما يأتي لبنان إلى أحضان الجمهورية الإسلامية ، فسوف يتبعه الباقون"(صحيفة اطلاعات الإيرانية في نـهاية الشهر الأول من عام 1984)

كما يعتبر السفير نفسه أن لبنان " يشكل خير أمل لتصدير الثورة الإسلامية" (النهار -11/1/ 1984)

بناء على هذا ، دور حزب الله يقتصر على تصدير الثورة، وعلى العمل لقيام نظام اسلامي في لبنان.
هذه التطلعات ليست مستحدثة، بل عبّر عنها قادة حزب الله مرارا ً وتكرارا ً .
ففي البيان التأسيسي، يعلن حزب الله الأمر التالي :
" إننا أبناء أمة حزب الله نعتبر أنفسنا جزءاً من أمة الإسلام في العالم ... إننا أبناء أمة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران، وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم.. نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط، وتتجسد حاضراً بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني دام ظله.. مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة. وعلى هذا الأساس فنحن في لبنان لسنا حزباَ تنظيمياً مغلقاً، ولسنا إطاراً سياسياً ضيقاً.. بل نحن أمة ترتبط مع المسلمين في كافة أنحاء العالم برباط عقائدي وسياسي متين هو الإسلام"

يعلن الحزب نفسه جزءا ً من الثورة الخمينية، فهو ليس حزبا ً سياسيا ً ، بل امتدادا ً دينيا ً ، يرتبط بالمسلمين في كافة العالم!
اذا ً ، الحزب ليس لبناني بقدر ما هو اسلامي. فالاطار الوطني لا يجد صدا ً داخل الأحزاب الدينية.
فالولاء للدين، والمرجعية لايران، وأي كلام خارج هذا الاطار يكون في خانة تضييق الخناق على حزب الله.

ان العلاقة التي تربط حزب الله بايران هي " هي علاقة تلميذ بمدرسة0"حسب قول الشيخ محسن عطوة في 31/3/1986 خلال المؤتمر الأول لمؤسسة الشهيد.
غير أن الأمور لم تكن معقّدة بالنسبة لقيادة حزب الله. فايران هي الدولة المحورية التي تتوسط العالم الشيعي، ومن البديهي أن تكون ولاية الفقيه التي حلت مقام الامام المعصوم، المرجعية الوحيدة للشيعة في لبنان.
وعلى هذا الأساس، وحيث أن الامام الخميني يقول " إن كل من يتظاهر بالرأي القائل بعدم ضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية فهو ينكر ضرورة تنفيذ أحكام الإسلام، ويدعو إلى تعطيلها وتجميدها، وهو ينكر بالتالي شمول وخلود الدين الإسلامي الحنيف" (الحكومة الإسلامية، ص 27)، رأت قيادة حزب الله ضرورة الالتزام بقيام دولة اسلامية في لبنان! فها أن الأمين العام الحالي، والقيادي السابق السيد حسن نصرالله يعلن أن" لبنان وهذه المنطقة هي للإسلام والمسلمين، ويجب ان يحكمها الإسلام والمسلمون" (السفير-).
على لبنان أن يكون دولة اسلامية لتستقيم فيه الأمور. ولبنان الاسلامي ليس دولة مستقلة. فابراهيم الأمين، الناطق الرسمي باسم حزب الله أوضح مطلبهم قائلا ً " نريد لبنان جزءاً من الدولة الاسلامية وليس كياناً اسلاميا ً منفصلاً0"(الشراع-عن العهد عدد 8)
فلا لبنان مستقل، ولا لبنان علماني. بل وطن اسلا مي يكون جزءا ً من الدولة الاسلامية الكبرى.
ولذلك يقول السيد الأمين أيضا ً " نحن ايران في لبنان ولبنان في ايران0"(النهار 5/3/1987)

هذا الارتباط العضوي هو ارتباط النتيجة بالفعل. فما من حزب الله دون ايران، وما من دور ٍ لايران بدون حزب الله!

ومن الجدير بالذكر أن حسن نصرالله هو الوكيل الشرعي لمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي في لبنان.
لكن حزب الله يحارب اسرائيل منذ أكثر من عقد ٍ ، وهو بذلك يبني لنفسه صورة مختلفة عن ماضيه.
غير أن الحقيقة أمرٌ مختلف.
فالماضي لا يمحى بقرار ٍ سياسي! فحين قررت حركة أمل رفض الانصياع لايران، تم ازالة الحركة من الخارطة الايرانية.
وان كان ما يلمح له البعض أن مشروع الدولة الاسلامية انتهى مع انتهاء الحرب، نذكره أن الفتوى الدينية أمرٌ ملزم ٌ لكل المسلمين المرتبطين بالمفتي، والامام الخميني أعلن ان النظام اللبناني غير شرعي ويجب أن يسقط، فهل يشذ حزب الله عن هذه القاعدة؟
ويجيب علي فياض عضو المجلس السياسي لحزب الله على هذا السؤال معلنا ً : فإن موقف حزب الله الراهن يشدد بشكل أقوى على تحقيق حكم إسلامي في لبنان وبشكل أكثر على حقه في فرض القيم الإسلامية من داخل النظام السياسي ذاته( السفير 31/7/ 1998)

كما أن السيد نصرالله يقول في احد خطبه أمام المؤتمر العربي لدعم المقاومة "نتكلم بلبنان الوطن ولبنان الشعب ولبنان الكيان ولبنان الأمة ، واذا أكملنا على هذا النحو سنتين أو ثلاث ، نصل الى لبنان الاله، فهذه المبالغة هي مبالغة غير منطقية وغير صحيحة"

اذا لبنان الوطن هو مبالغة غير مقبولة. ولبنان الكيان هو حالة مؤقتة حتى الوصول الى الغاء الكيان والدخول في محور الأمة.
ففي أدبيات حزب الله، يبدو أن لبنان الدولة لا يلقى صدا ً رنانا ً.


ففي حين أن مشروع حزب الله لم يتحقق بعد، ولا تزال ايران تعمل على دعم الحزب بكل الوسائل المتاحة، فهل يعقل أن يحتفظ حزب الله لنفسه بمشاريع ٍ خاصة تأتي من خلال وجوده في الجنوب؟

هل يحارب حزب الله اليوم لكسب التعاطف الشعبي والغطاء الشرعي للابقاء على قواته المسلحة لهدف لا يستطيع حزب الله التنصل من وجوده؟

ففي حين أن مشروع حزب الله الرئيسي لا يرتبط باسرائيل، انما تم استغلال الوضع القائم في الجنوب لخلق مجتمع ٍ أشبه بالدويلة يسمح لحزب الله أن يلعب دورا ً أكبر في السياسة اللبنانية.

وهل تغييب الدولة وفرض معادلات ٍ جديدة يهدف الى خلق واقع جديد لتطبيق المثل القائل :"ان رفضت شيئا ً ، أرغبناك به".

سنترك للتاريخ الاجابة عن هذا الموضوع، علنا نتقي شرا ً تحت الرماد.

الى أطفال قانا



أترين تلك النجمة هنالك؟
انها الرابعة بعد الظهر...
لم يعد للوقت معنا ً ... تحترق في احدى الزوايا يد طفل ٍ ، تركها وغادر الى ضفاف القمر...

صوت أنينٍ من تحت الركام...
يرتفع صراخ أولاد الدمار...
رائحة الخمر تعبق في المكان... انه العرس... عرس الدم، والزواج تكرس بين التراب المفجوع، والأجساد الطرية...

يلعبون بين الغرفة والأخرى...
يتشتتون، يتبعثرون...
قطعا ً هنا ً ، وألوانا ً هنالك... هات ِ الدمية من قرب الحائط ، فاحد ورود الشمس اشتاقت لملمسها!!

كانوا هنا ليلا ً ...
كوميض الصلاة ارتفعوا...
يحتضن ذلك الصبي حفنة تراب... يريد الاستأثار بالأرض...يريد طرد الضحية!

في عمق هذا الجحيم...
احمرار ُ خريفي ٍ على خدود احدى النسمات...
رحلوا ، ولم يتركوا لنا سوى عبارات الصمت، وأرجوحة ً تتمايل مع بكاء الأباء...

لون السماء تغير...
ففيه قليلٌ من وجوه الفتيان...
وفيه كثيرٌ من صراخهم...لم يبق َ للوجوه أثر... اضمحلت في أعمدة العيون الممزقة...

صفاء الوجود يحترق...
عكرته رائحة الأجساد المشتعلة...
ومزقت سكونه رياح ٌ قاتمة... فأردَت على الأرض بضع الورود الحمراء...

أترين تلك النجمة؟
انها من صنع الأحلام...
فقد رسمتها يد ُ فتاةٍ عشقت الحياة... فارتُهنت للموت...

لم ينم الأطفال تلك الليلة...
أرادوا ركوب الخيل...
أرادوا بيت دمى ً... وقصص الأبطال العصرية...

تمزقت قاماتهم...
بين الأحلام وصوت الملاجئ...
نثر الهواء ما تبقى من أشلائهم... في الحقول وفوق السطوح...

نامت الأشجار شاحبة
لون عيونها من براءة الأطفال...
وظل أغصانها يرتاح فوق أجفانهم المتعبة...

أترين عبثية الأمواج؟
انها لا بد ّ ثائرة...
تريد الانعتاق... تريد الحرية!!

اختبأ الحق في احدى الملاجئ...
ذهب ضحية ً هو الآخر...
فالجلاد يغمض عينينه... وترتفع يده كجنون العاصفة!!

لا ينام الأطفال في بلدي...
فهم يخافون الرحيل...
يحرسون الليل ببشرة ٍ من فضة... يخفقون النور في الصحراء...

حزم أحدهم حقائبه...
ارتدى وشاحا ً أحمرا ً ...
و تكفن بالرماد المرتعش فوق أنفاسه الأخيرة...

أترين ذلك الفراغ هنالك؟
سقطت من السماء نجمة ٌ...
ارتمت في أحضاننا .. لتستقر في دموع احدى الأمهات...

لأزقة الظلام في بيروت

لم يكن مساء الخميس ليختلف عن باقي أيام المدينة... أضواء السيارات أنارت ظلمة أزقة الطرقات، في حين أن صدى الموسيقى ترددت أرجاؤه في جدران المباني العتيقة...

ككل خميس، خرجت لأمشط أرصفة بيروت القديمة، لأستعيد ذكريات تركتها ممزقة في كل مكان...
لم أعتبر، بعد سنة على استشهاد الرفيق سمير قصير، أن المدينة التي أحبها ، ستنام على لون أحمر من جديد...

غالي ثمن بناء الأوطان، غاليا ً جدا ً.

زحمة سير لم أعرفها من قبل، وهدوء يسبق وقوع الكارثة...

لم أتفاجأ حين سمعت صوت شبان ٍ يتعالى، بل فرحت!! هنالك من يتذكر سمير قصير ويناشد الله!!
ترجلت وانتظرت وصول الموكب، لأنضم الى محبيه...

ما هي الا لحظات، ووصل موكب التشييع.

غريب كيف أن الحقيقة تسقط القناع عن وجوه المجانين، وكيف أن الانسان يتحرك بين كثبان الرمال، كالتائه في الصحراء.

تحولت البسمة من على وجهي الى علامات تعجب...
فأول الموكب علم ٌ كبير لايران... وآخر الموكب علم ٌ لسوريا... وبين هذا وذلك، سيل من الأعلام الصفراء التي غطت سماء الشارع.
ذهلت... وكان الواقع صعب القبول... عادت الى ذاكرتي شوارع بيروت المحترقة يوم مات عبد الناصر... فارتهن السؤال: " هل مات عبد الناصر الليلة من جديد؟"

لم استفق من صدمتي الا بوصول مئات الشباب، من كل صوب وحدة، عاريي الصدور، ويزينون أيديهم بكل ما قد حملته يد من قبل...

ارتفعت الهتافات وسيل الوعيد... لم أستطع أن أسمع ما يقال، أو حري بي القول، رفضت لوهلة تصديق ما يحصل...

كتمثالٍ تعبٍ بقيت مسمرا ً ... رافضا ً الحراك أو التفكير... كشريط ٍ سريع ٍ مرت... تلك الذكريات السوداء من الحرب الأولى... بالأسود والأبيض، رأيت أبو عمار وأبو أياد، ومنظمة التحرير تخطب في شوراع بيروت...

تعالت ألسنة النار من بعيد، لأتذكر ليالي المئة يوم،وحروب الكبار وثمن الكرامة... أحرقت النار التي أشعلها المحتجون، ما حملته بيروت من معان ٍ في السنة المنصرمة...وتعال الدخان في سماء ٍ كثرت فيه نجومٌ، ساهرةٌ على نعش الشهداء...

تبعثرت الصور في ذاكرتي...
وحملتني أصوات المتظاهرين الى شوارع برلين، وسقوط الجدار... ألم تعرفوا؟ سقط جدارٌ في بيروت الأمس، ليفتح الباب لصراع ٍ نام تحت الرماد طويلا ً!

ثوان ٍ مرت، فتحول الجمع الى حشد كبير، يرفع شعارات الغضب والوعيد، فظننت أن اسرائيل قصفت، وأن المقاومة قد أصيبت، وهبّ الناس لنجدة بيروت التي أحبوها!

تحول ما كان أصوات مبعثرة ً ، الى نشيدٍ يردده من لم تخنه حنجرته من قبل.
وصلتني الشعارات كسيل الرصاص... هتافاتٌ بالقتل... هتافاتٌ بالاحتقار... هتافاتٌ هتافات، لاحدى الأحزاب وقائدها...

خرجت الطيور من أوكارها، انفتح الستار، لأتسمر في زاويتي ، كمن يحمل في يديه جثة رفيق...
توالت الأحداث في ذهني... تذكرت بنشعي، 8 آذار، 10 أيار...
تذكرت الحلوى في صباح اغتيال جبران، واطلاق الرصاص فرحا ً ، يوم مات بشير... وبين هذا وذاك، ألف محطة ٍ تفيض العين منها بالدموع.


خرجت من ضبابية الحلم لأستفيق على تكسر الزجاج قربي...
انها الحقيقة عارية... ساطعة... ترتجف أمام هدير الجموع...
أدخل سيارتي وأراقب عن بعد...

تمر مواكب السيارات بشكل سريع، تطالب باغلاق احد المحطات، تطالب بالعودة الى الاعلام الموحد، الاعلام الذي يصفق لصورة ٍ ، ويهلل للحاكم الجديد...

رنمت ُ، بصوت ٍ مقتول ، احدى قصائد نزار حيث يقول :
يا ستّ الدنيا يا بيروت...ها نحن أتينا.. معتذرين.. ومعترفين
أنّا أطلقنا النار عليك بروحٍ قبليّه..
فقتلنا امرأة.. كانت تُدعى الحريه..."


أدرت المذياع، لربما أسمع خبرا ً يعيد النجوم الى السماء...
فاذا بثلاثة شبان سقطوا في احدى الطرقات...
كنيسة هوجمت في احدى الضواحي...
اطلاق نار مجهول المصدر...

انطفأ الصوت الصادر من العاصفة، حرمت نفسي من المعرفة.. حطمت تماثيل الوحدة والطمأنينة..
غاضب ٌ كالأم ترعى أولادها!! قتلوا ابنتي، بيروت، وكالمتفرج وقفت!!

حطام في كل مكان، صوت سيارات الجيش يجوب الطرقات...
أسرع حلم بناء الدولة بالابتعاد، أمسكته بخيط رفيع، رجوته البقاء...
تحولت تلك الشوارع الهادئة الى أنهر حمراء، أحمرها من الوجوه الغاضبة...
توقف السير في كل مكان... توقف الزمن في بيروت..
مرّ قربي عنترة بن شداد على خيله، ورأيت سيف الجلاد وراء الباب...
رأيت الصحافة معلقة ً في ساحات الأندلس، ورأيت الأحرار في المزاد العلني...
نامت الحرية في احدى غرف السلطان، واستفاقت على أنياب ٍ مزقت جسدها النحيل...

انها بيروت، مدينة التناقضات والسياسات كلها... انها مدينة، حمّلها وطنها أكثر مما تستطيع، فرزخت تحت الحمل ثلاث، وصلبت ألف مرة عن الجميع...
انها بيروت فلسطين والتحرير، بيروت اسرائيل والاحتلال، بيروت عبد الناصر والسادات، بيروت الأسد والعروبة، بيروت الحلم الوردي، بيروت آذار الاستقلال وسنين المقاومة...

أغمضت عيني، سرقتُ من الوقت لحظات لأهرب الى ساحة الحرية...
نام داخلي طفل ُ الشمس... نامت المشاعر...

عدت أدراجي، ممزق الهوامش... رأيت ورائي على الأرض، قسَم جبران، فحملته، اعتذرت منه، لسوء الأمانة... ركعت على التراب، اعتذرت من بيروت، لم أنتشلها من رواسب التخلف... احتضنت مدينة الحياة، التي مرت بمخاض جديد، عسى الولادة تأتي باشراقة شمس، ولو بعد حين!!

الحزب النازي والحزب القومي السوري الجتماعي


انه من المستغرب كيف أن القرن المنصرم شهد تشوء أحزاب وتيارات ذات مبادئ متشابهة، الى حدٍّ قد يصل الى التساؤل حول ماهية العلاقة بين هذه الحركات.

ولان اسم الحزب السوري القومي الاجتماعي من أسماء الأحزاب التي طبعت بداية هذا القرن بأحداث هامة، فنجد من الضروري وضع مقارنة صغيرة، تتيح للقارئ مراقبة أوجه الشبه بين التيار النازي في ألمانيا، والحزب السوري القومي في لبنان.

ان الحزب السوري القومي يرفض ربطه بالنازية، فنري في رسالة لسعادة يقول فيها:
1- إن سياسة الحزب السوري القومي هي سياسة سورية قومية مستقلة غير مختلطة مع أية سياسة أجنبية ، كما هو مبين ومشروح في مبادئ الحزب وخطاب الزعيم ومقالاته . ولذلك فإن سياسة " سورية الجديدة " لا تخرج عن التوجيهات الرسمية .

2- إن سياسة الحزب السوري القومي ليست فاشية .

3- إن سياسة الحزب السوري القومي ليست نازية
(سعادة- رسالة توجيهية إلى رئيس وأعضاء مجلس إدارة جريدة " سورية الجديدة" -10/11/1939 )


ان هذا التفسير ناتج عن أن العالم كان مقتنع في ذلك الوقت أن أنطون سعادة يتعامل مع النازيين الألمان خصوصا ً لجهة معاداته لفرنسا و بريطانيا والبهود.
ومن هنا أيضاً كلام سعادة وتأكيده على أن الحزب القومي لا يرتبط بأي طرف الماني، وهو يكرر هذا مرارا ً وتكراراً :

أريد بهذه المناسبة أن أصرّح أن نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي ليس نظاماً هتلرياً ولا نظاماً فاشياً ، بل هو نظام قومي اجتماعي بحت لا يقوم على التقليد الذي لا يفيد شيئاً ، بل على الابتكار الأصلي الذي هو من مزايا شعبنا
(الاجتماع الأول للقوميين -1 حزيران عام 1935)

كان من الضروري عرض هذا الموجز السريع حول رفض القومين للتشبيه بالنازية، لتسنح لنا فرصة عرض أوجه التشابه ، وترك الخيار للقارئ بقبول كلام سعادة أو رفضه.



التسمية


الحزب السوري القومي الاجتماعي
الحزب النازي الوطني الاشتراكي.
من المعروف أن كلمة "National" قد تترجم بعدة طرق، فقد تأتي بسياق قومي أو بسياق وطني، فالاثنتان تنشقان من
"nation" أو أمة، وقد يكون الانتماء الى الأمة وطنيا ً أو قوميا ً. لفظان يعنيان معنى واحد.
كما أن كلمة "Social" والتي ترجمت كاشتراكي للحزب النازي، قد تترجم لاجتماعي في عبارة أخرى. ف "Social" تأتي من "Society"التي تعني "مجتمع" فبالتالي "social" تعني اجتماعي بقدر ما تعني اشتراكي.
نجد اذا ً ان الحزبين متشابهان في التسمية، بحيث أن الحزب السوري القومي الاجتماعي، هو ترجمة حرفية ل"
( ssnp)
Syrian social National Party
المستنسخة من :
National Socialist German Workers Party
أي الحزب الألماني الذي يحمل العقيدة النازية.


الزعيم

ان عملية تأليه الزعيم ليس بجديدة، وليس هناك من داع ٍ لخوض ذلك مع الحزب النازي الذي عرف بتأليهه لهتلر بشكل أعمى، فتبقى اذا ً ضرورة ايجاد هذه الصيغة داخل الحزب القومي.
ان دستور الحزب يقول :

تأسس الحزب السوري القومي الاجتماعي بموجب تعاقد بين الشارع صاحب الدعوة إلى القومية السورية الاجتماعية وبين المقبلين على الدعوة على أن يكون واضع أسس النهضة السورية القومية الاجتماعية زعيم الحزب مدى حياته ، وعلى أن يكون معتنقو دعوته ومبادئه أعضاء في الحزب يدافعون عن قضيته ويؤيدون الزعيم تأييداً مطلقاً في كل تشريعاته وإدارته الدستوري
(دستور الحزب - 1934)

كما أن سعادة يقول بنفسه :
آمنتم بي معلّماً وهادياً للأمة والناس... وآمنت بكم أمّة مثالية معلمة وهادية للأمم. وقد قوي إيمانكم بي إيماني بكم
( شروح العقيدة، ص 132).
حتى سعادة نفسه يشير إلى نفسه بلفظ "الزعيم" ، مما يعطي قيادته نوع من القدسية المستمرة.

كما نرى ما يلي:
المسيحية ابتدأت بفرد، وكذلك المحمدية، وكذلك القومية الاجتماعية
(شروح العقيدة، ص171)

ان هذه الصفة التقدسية للزعيم مستقاة من الحزب الألماني الذي يرفض أي مس بصورة هتلر وبأقواله.




الشعار
لن أطيل الحديث عن هذه النقطة، لأن مجرد النظر الى الشعارين، يتيح بسهولة مشاهدة التقارب الكبير بينهما:

[IMG]http://www.adl.org/hate_symbols/processed_new_images/nazi_flag_150.gif[/IMG]

و

[IMG]http://www.ssnp.net/images/main/store/zaw%20copy.gif[/IMG]


السلالات
والتشابه في النظرة بين الرجلين، سعادة وهتلر حول هذا الموضوع، كبير جدا ً .
فهتلر يقول:
,ولا خلاف أن وجود أعراق منحطة، بالنسبة الى الأعراق المتفوقة، كان شرطا ً أساسيا ً لتأسيس الحضارات.
(أدولف هتلر- كفاحي، ص 167)

وسعادة يقول:

مع ذلك، لا بد من الاعتراف بواقع الفوارق السلالية ووجود سلالات ثقافية وسلالات منحطة وبمبدأ التجانس والتباين الدموي أو العرقي، وبهذا المبدأ يمكننا أن نفهم نوعية المزيج المتجانس الممتازة والمتجانسة تجانساً قوياً ونوعية البيئة".
( المحاضرة الرابعة- المحاضرات العشرة)


والرجلان بؤمنان أن التزاوج مع السلالات الأدنى يود شعوبا ً أدنى ، أو يفني الحضارات :

كل اختلاط بين الأجناس يفضي الى: تدني مستوى الجنس المتفوق.
(أدولف هتلر- كفاحي، ص 162)

ولذلك تبقى مسألة المزيج السلالي مسألة علمية ثابتة لا يمكننا أن نتهرب منها، فلا يمكننا أن نفهم الفرق بين السوري والمصري مثلاً: ما لم نفهم الفرق بين المزيج السلالي السوري والمزيج السلالي المصري.
(سعادة، المحاضرة الرابعة- المحاضرات العشر)

كما أن هتلر يعطي أمثلة عن تفوق العرق الجرماني في أميركا الشمالي مقابل تراجعه في الوسطى والجنوبية لاحتكاك السكان بالعنصر اللاتيني والسكان الأصليين.
الى هذا يتحدث سعادة عن :
السلالة المتفوقة التي ينتمي إليها السوريون الكنعانيون. أما العرب، فعلى عكس السوريين فإنهم اختلطوا بأقوام من سلالات الزنوج فدخل في المزيج العربي عرق من سلالات منحطة.
(سعادة، المحاضرة الرابعة- المحاضرات العشر)


ان كل هذا التشايه بالخطاب مرده تأثر سعادة الشديد بهتلر والمبادئ العنصرية التي طرحها.
للمزيد من الأمثلة، مراجعة المحاضرات العشر لأنطون سعادة، وكفاحي لأدولف هتلر.



التصرفات :
ان الحزبان لا يعترفا بأي منافس أو عدو ولا يقبلان الاختلاف بالرأي.
فسعادة يعتبر أن العرويبون والشيوعيون والإسلاميون بكل طوائفهم والأكراد والمارونيون السياسيون وأنصار الدول القطرية واللاقوميون من أي نوع هم مجرمون.
كذلك الأمر بالنسبة لهتلر الذي رفض كل معارض، من الحزب الشيوعي الى كل الأحزاب الوطنية!

لموقف من اليهود :


الموقف متطابق، فسستعرض مواقف الرجلين من الصهيونية واليهود:

يقول هتلر :

خلال تلك المرحلة ادركت وجود خطرين مدقعين يحيطان بالشعب الالماني، وهما اليهودية والشيوعية...
اما اليهودي، فارائه الضالة لا تتغير ابداً...
ان اليهود هم أسيلد الكلام و أسياد الكذب.
(أدولف هتلر- كفاحي، ص 22 وما سبق)

ويقول سعادة:

ان مئات الفروع اليهودية المنتشرة في جميع أنحاء العالم المندمجة في المنظمة الصهيونية تعمل عملاً واحداً منظماً وترمي الى غاية واحدة واضحة هي الاستيلاء على سورية كلها وتحويلها الى وطن قومي خاص باليهود ينشئون فيه دولة يهودية ذات سيادة واستقلال "
(أنطون سعادة - جريدة "الزوبعة" -1/9/1944)

الصراع مع اليهود صراع موت وحياة .
(أنطون سعادة - مجلة " الجيل الجديد "- نيسان 1948 )

كما ويقول :
فليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا ووطننا غير اليهود "
(سعادة – مراحل المسألة الفلسطينية – ص110)

ان هذه المواقف المشتركة، وهذا العداء لليهودية كدين وكقومية يجمع بين القوميين والنازيين.



النشيد

للقوميين نشيد يقال أن الشاعر سعيد عقل وضعه وجاء فيه أن سورية فوق الجميع على غرار النشيد النازي: "المانيا فوق الجميع"

اللباس
ارتدى القوميون السوريون قمصانا ً بنية، مشابهة بلباس الشباب النازي.
(شفيق الحوت ، في احدى المقابلات في 12/01/2003 )

التحية

التحية للحزب والزعيم تحية واحدة ومتطابقة.







بعد هذا البحث المفصل، يبدو من الواضح مدى تأثر الحزب السوري القومي بالحزب النازي، ومدى تأثر سعادة بهتلر.

بين أمل واسرائيل

السلام عليكم،
في البداية، أجد من الضروري التطرق الى الهوية اللبنانية، فأنا مواطن لبناني قبل أي صفة أو نعت آخر، وكوني لبناني يفرض علي الولاء للقومية اللبنانية قبل أي عامل أو قومية أخرى.
لذا، اعذر بساطتنا، واسمح لنا بعفوية الردّ، ولو المختصر على بضع ما تتطرقت اليه، في رسالة لم تفاجأ متتبعي أقوال حركة أمل وأفواج المقاومة، فالكلام الهش الذي صدر منك، يبدو عادياً أمام ما اعتادت المنطقة لسماعه من أفواه لا تقوى الا على الصراخ والانفعالات...


لا بدّ من تذكيرك، أن أفواج المقاومة الاسلامية تلك، كانت الأولى لاستقبال الاسرائيليين ، والفرح الذي اعترى قلوب اللبنانين من الشيعة فاق كل ما قد يجول مخيلتك عن ابتهاج مسيحي.
فقد شعر الجنوبيين أن اسرائيل آتية لترفع شبح الهيمنة الفلسطينية عن أراضيهم وتعيد لهم سيادة على دويلة حلم موسى الصدر بانشائها "للمقهورين".
وان كان من الضروري العودة الى التاريخ، فذلك لاستيقاء الحكم، وتحرير بعض العقول المدفونة في رمال الصحراء، وما سنذكره ليس سوى بضع مقتطفات عن تاريخ حافل بالخيانات، لقضايا تبتهجون برفع شعاراتها.

فالجميع منا يذكر ما سبق وقامت به القوات الاسرائيلية يوم اجتياحها جنوب لبنان ، ولمصداقية التاريخ، سنذكر بضع مراجع تتيح للقارئ الوقوف والتساؤل حول حقيقة حركة أمل والأطروحة الشيعية.

فان القوات الصهيونية لما دخلت بلدة النبطية لم تسمح الا لحزب امل بالاحتفاظ بمواقعه وكامل اسلحته
(رويترز- 1/7/1982)

أتبدو تلك مصادفة نتجت عن محاولة اسرائيلية لاستقطاب الأطراف الشيعية؟ تجدر بنا اذاً مراقبة وجهة نظر حركة أمل ، والتي عبر عنها حيدر الدايخ احد كبار الزعماء الشيعيين في الحركة خلال احدى مقابلاته حيث يقول :
كنا نحمل السلاح في وجه اسرائيل ولكن اسرائيل فتحت ذراعيها لنا واحبت مساعدتنا . لقد ساعدتنا اسرائيل على اقتلاع الارهاب الفلسطيني (الوهابي ) من الجنوب (مجلة الاسبوع العربي 24/10/1983)

وهذه ليست سوى صورة مبسطة عن الحقيقة التي شابت العلاقة بين حركة أمل والجيش الاسرائيلي على الرغم من كل المواقف المنددة والمهددة التي تندرج ضمن اطار الألاعيب السياسية لتضليل الرأي العام.

ما فاجأني في رسالتك، هو اتهامك القوات اللبنانية بمحاولة تقسيم لبنان، على الرغم من كل الاشارات التي تفيد رفض القوات لأي مشروع تقسيمي وتمسكها بالكيان اللبناني كركيزة لأي مشروع مستقبلي.
لنا من الحق أن نسأل، أليس أولائك الذين يطالبون بدولة اسلامية في لبنان، هم من يفتحون الأبواب أمام محاولات التقسيم والتوطين؟ أليس أولئك من يحتفظون بسلاحهم الغير مببر في دويلات عسكرية ضمن البقاع والجنوب وبيروت أجدر بالأتهام بالعمل للتقسيم؟
ان هذه الأضحوكة التي تذكرنا بها، قد مرّ عليها الزمن ولم تعد صالحة في مجتمع اسلامي ومسيحي بات واعيا ً لهده المحاولات اليائسة.


تجدر الاشارة، الى أن القوات اللبنانية خاضت أشرس الحروب لمنع تمرير مشروع مورفي-الأسد في السابق ، ولدرء المشاريع الأميريكية للتوطين، ووقفت حاجزا ً أمام الادارة الاميريكية في عملية تسليم لبنان لسوريا فكان من الضروري العمل على ازاحتها!
ان الغريب في الأمر هو أن نبيه بري بنفسه اتهم سابقا ً بكونه عميل أميريكيا ً، وهذا الاتهام لم يأتي من المسيحيين، بل من السفير الايراني بلبنان " حجة الإسلام فخر روحاني" في احدى الصحف الايرانية حيث يقول :
" : إنه عضو في السي ، آي ، إيه [ المخابرات الأمريكية ] ، وكان انتخابه رئيساً لمنظمة أمل بحماية السفارة الأمريكية... أمريكا تدعم عملاءها مباشرة أو عن طريق التابعين لها ، وإلا فكيف يمكن تفسير قيام الجزائر بدفع خمسين مليون دولار لمنظمة أمل ؟ ما هي علاقة الجزائر ؟ بلد سني في شمال أفريقيا يقوم بدعم الشيعة في لبنان ، ظاهرة فريدة وحسنة ولكن أنا أعرف بأن أمريكا وراء دعم الجزائر للشيعة "(صحيفة اطلاعات-كانون2 1984)
ليست القوات اللبنانية من عملت للحصول على دعم ٍ أميريكي للوصول الى رئاسة مجلس النواب مرارا ً و تكرارا ً, فرجاء ، لا تراشق الحجارة وانت في منزل من زجاج.

ان المؤامرات الصهيو-أميريكية لم تكن لتمرَ لو لم تقم الحركات الشيعية المشبوهة، كحركة أمل، بتمريرها مقابل صفقات تمت على حساب القضية الفلسطينية في لبنان.

ان حركة أمل لم تقم فقط بتمرير الصفقات والموافقة عليها، بل وشاركت في المجازر التي قام بها السرائيليون في المخيمات، ونذكر، على سبيل الذكر لا الحصر ما يلي:
" هاجمت قوات أمل مخيمي صبرا وشاتيلا، وارتكبت فيهما مجازر أبشع من التي ارتكبها اليهود والقوات اللبنانية، فحتى المرضى في مستشفى غزة لم يسلموا من المجزرة، ومما زاد من هول المذبحة وبشاعتها، انضمام اللواء السادس في الجيش اللبناني لحركة أمل لأن أفراده وقيادته من الشيعة...( أمل والمخيمات الفلسطينية، ص: 89 – 109)
حدث كل هذا والحركة لا تزال تتغنى بحماية الفلسطينيين، طمعا ً فقط بالمساعدات العربية المخصصة في هذا السياق، فكم من الاموال قد أُخذت تحت شعار القضية الفلسطينية، التي أصبحت كأحجار الطاولة يتلاعب بها الجميع، من كل جهة وصوب.
عفوا ً ، ليس من الضروري اطالة الحديث، فمن الواضح غياب الموضوعية عن حديثك وارتكازك على عمليات غسيل الأدمغة التي تعرضت اليها فبات من الصعب لك قراءة الحاضر والماضي بشكل منطقي.


اليك أقول، اخرج من قوقعة العدائية، واغلق كتب الحقد ، لتصبح ضمن لبنان الجديد... لكن حذار الابطاء فقافلة الحياة مستمرة، ولا مكان لأشباح الماضي في الغد القريب...
وكيف أنهي رسالتي ، سوى ببضع كلماتٍ لبطلٍ شرب من الأرز دهوراً ، " للتاريخ تاريخ مشهود، هو يمهل ولا يهمل، يغض الطرف أحيانا ًلكنه لا ينسى، يتغاضى لبعض الوقت لكنه لا يرحم!"





توضيح : ان هذه الرسالة أتت ردا ً على رسالة تلقيناها من أحد أعذاء حركة أمل تتهم القوالت اللبنانية بالتعامل مع اسرائيل والرغبة في تقسيم لبنان.

الشكر لسوريا؟

الشكر لسوريا؟
ترتفع في الأوساط السياسية والشعبية اليوم الأصوات التي تدعو للإنضمام إلى تظاهرات عرفان الجميل والشكر لسوريا و’الجيش العربي الباسل‘ على عدم توانيه عن بذل التضحيات في سبيل لبنان، دولة وشعباً.
ويستكمل أصحاب هذه الدعوات ملامح المهزلة بالطلب إلى المعارضة الإنخراط في التيار الشعبي رافع لواء ’الوفاء‘ لسوريا!!!
وكأن المطلوب اليوم، أن ننسى، كمقاومة لبنانية، تاريخ النضال الأليم، ومسيرة آلاف الشهداء، وعذابات آلاف المعتقلين والمفقودين، وأن ننزع عنّا كرامتنا، تلبية لنداء البعض المطالب بالإرتماء أمام قوافل الجيش السوري، شاكرين لها ذبحنا وطالبين منها العفو عن دفاعنا عن حريتنا وسيادتنا واستقلالنا...
المطلوب أن يشارك أهل الدامور في مهرجان الشكر هذا، وأن يجوبوا بيروت ممتنين للقوات السورية لعدم تونيها عن قتل أبنائهم!
المطلوب من زحلة أن تشكرهم على عشرات الآلاف من القذائف والصواريخ التي انهالت عليها من قبلهم!
المطلوب من الأشرفية أن تستذكر "المئة يوم" وتعلن امتنانها لهم!
المطلوب من تراب بيروت، الممتزج بدماء الشهداء، أن يهتف لسوريا ورئيسها!
المطلوب من أهل الجبل أن ينسوا المذابح السورية بحق أهلهم ورفاقهم!
المطلوب أن تنسى الأمهات أولادهن المغيبين في غياهب المعتقلات السورية لينثرن الورد على جلادي الوطن!
المطلوب أن ينسى اللبنانيون بللا والفياضية وشكا والكورة... وشهداء قنات وعين الرمانة... وشهداء حرب التحرير وهجوم 13 تشرين الأول... فقط لتلبية نداء بعض المنادين بروابط ’الأخوة‘ و’التاريخ‘!
المطلوب أن نتنكر لقائد تنسك في زنزانة الظلم طيلة العقد السابق، حاملاً معاناة شعب وقضية، فقط لنتبارى في مدى الولاء للبعث ومشتقاته.
فاعلموا أيها السادة، يا من تطالبون شعباً بالتنكر لتاريخه وجوهر نضاله، وتسألوننا أن نرص سوياً الصفوف تحت راية الولاء لسوريا، أن عرضكم مرتجع مع الشكر...
واعلموا أيضا أن ما عَصِيَ عيكم وعلى أسيادكم في زمن الحرب، أبيٌ عليكم وعليهم في زمن السياسة الرخيصة والمناورات القاتلة...

الى متى؟

الى متى

الى متى ستبقى الحرية، سلعة تباع وتشترى في مزادات السياسة الرخيصة؟
الى متى سيبقى الاستقلال، هاجس شعبي و شبح ذكريات أليمة؟
الى متى ستبقى السيادة، رهينة التبعية والتفاوتات الايديولوجية؟
الى متى ستبقى الديمقراطية فارغة من أي مضمون عقائدي ؟
الى متى ستبقى الكرامة شعار طفولي ذو صدى صامت000؟
الى متى ستبقى التعددية مشروع فوضى و أرضية صراعات؟
الى متى ستبقى الطائفية، سيدة المواقف و النظريات السياسية؟
الى متى ستبقى الثقافة، مدفونة في رمال الرجعية والحصون الريفية؟
الى متى ستبقى السياسة،مرتبطة بالديموغرافية الشعبية ومنطق الأكثرية000؟
الى متى ستبقى السلطة احتكار مناصب وامتيازات طبقية؟
الى متى ستبقى الوحدة،ضبابُ ربيعي تخافون منه؟
الى متى ستبقى الظلمة، تخيم على أحلام أولادنا؟
الى متى ستبقى الغربة محط أنظار أعمدة استقرارنا؟
الى متى ستبقى القرارات تكتسب آنً من الشرق وآنً من الغرب؟
الى متى ستبقى السجون، منابع الصلابة والعنفوان؟
الى متى ستبقى الهوية، سلاح صدام أزلي المصدر؟
الى متى ستبقى الصيغة المتفككة ، مرجعية حرب ونزاعات أليمة؟
الى متى ستبقى السيناريوات، تحاك لنا من حيث لا ندري؟
الى متى ستبقى القوة سبيل التعاطي والتواصل، بين أهل الدار ومغتصبيها؟
الى متى ستبقى يا وطني، سجين رهانات خاطئة وتوازنات مصطنعة؟
الى متى ستبقى بندقيتهم، حائل دون توافقنا وتلاقينا؟
الى متى ستبقى أهدافهم، تقض مضاجع أبنائنا وترمي بنا الى المجهول؟

الى متى ستبقى يا شعبي، أداة ضغط وسلم متنقل؟
الى متى ستبقى يا شعبي، أسير أوهام وشاهد صامت على المأساة؟
الى متى ستبقى يا شعبي، سيفاً يغمره النسيان؟

قف، وانفض الرماد عما تبقى من شعلة حريتك000
قف، حطم أشباه الرجال والأصنام المتربعة على عرش الفساد000
قف، فقد حَولوا بيتنا، مغارة للصوص ولأشباح الظلمة والظلام!!

الى قليلي الايمان

"عار من الاسم، من الانتماء، في تربة ربيتها باليدين!"


بالامس كانت القضية، والقضية أثمرت أجيالاً من المقاومين...
بالأمس كان الأرز يشاركنا المجد، واليوم نكاد نتوه في ظلمة الأيام!
ما بالكم لاتتعلمون!

نتلقى الصفعة تلوى الأخرى، من مجتمع يفقد مقومات الحياة فيتعلق بحبال من الوهم ليرتفع من غرقه الطويل!

فلي أن أسأل، أهل جبيل وكسروان، المتن والجبل، بترون والكورة، عماّ فعلت القوات اللبنانية لتستحق معاملتكم!؟
ان نسي بعضكم أوتناسى هوية القوات اللبنانية، فللتاريخ حق لا يزول:
أليست القوات اللبنانية من خاضت المواجهات الأولى ضد المتطفلين من كل الجنسيات!؟
أليست القوات اللبنانية من فجرت المواجهة مع السوريين، في 1978 الى يومنا هذا؟
أليست القوات اللبنانية من خاضت حروب السيادة على امتداد حدود الوطن؟
أليست القوات اللبنانية من صنعت من اجساد فتيانها
حصن الدفاع عن وجودكم الحر؟
أليست القوات اللبنانية من قدمت ألاف الشهداء على مذبح الوفاء؟
أليست القوات اللبنانية من امتزجت دمائها بتراب بشري والكورة فقنات وعيوت السيمان، الى زحلة وبيروت فالمتن والجبل، فشرق صيدا وصولاً الى الدامور!؟
أليست القوات اللبنانية من وهبت شعبها، قائداً شهيداً، وآخراً سجيناً في زمن كثر فيه المتاجرون!
أليست القوات اللبنانية من رسمت ملاحم الأبطال، فكانت العين الساهرة على مستقبل لبنان!!؟
أليست القوات اللبنانية من حملت أعباءكم يوم تخلف المسؤولون وتقاعص هواة الاعلام اليوم؟
أليست القوات اللبنانية من أعطت، في زمن السلم والسلام، شهداء عدد من فوزي الراسي الى جوزيف عيسى!
أليست القوات اللبنانية من قادت المعارضة خلال السنين العشرة السابقة!!
أليست القوات اللبنانية تلك الشمعة التي تذوب وفي بالها شغف العطاء!؟

أثبتتم، لمرة جديدة أنكم هواة شعارات ومواقف زائفة، تفقدون حس الوفاء للمبادئ!!
أثبتتم أنه مع صياح الديك ،تكونون نسيتم للمرة الثالثة.

لم تكن يوماً القوات اللبنانية الا الى جانبكم، فهل كنتم يوماً الى جانبها!!؟

الى أم الشهيد...


فلتفرحي.. يا أمه..
ولترفعي وجهك عالياً ، وتشاركي الملائكة أنشودة الحياة.
فلتفرحي، واقتسمي مع مريم العذراء بعضا ً من فخرها...
فلتنشدي بالفم الملآن ، نعم ، هم ماتوا ، ليحيا لبنان!
لا تذرفي الدمع، لا وألف لا، فاليوم ذكرى ميلاده، ذكرى امتزاجه مع ترابٍ عَشِقًهُ، حتى الممات.
فلتلبسي الأبيض، ولتهللي... لأن ولدك، سيدتي، قد صار شهيدا ً ، لأنه مارس قمة العطاء عربون محبة..
ها هو العرس يأتينا كل أيلول، محمِلا ً موت الصيف ليبعث فينا روح الحياة.. ليرمينا من السكون الذي يتآكلنا، فيرتفع اعصارهم ريحا ً شتوية، تسكب لنا خمر الشهامة...
ويكملون طريقهم، مع المسيح في الجلجلة، ويرتفعون أقواس نصرٍ في ساحات الشرف، فيرتشفون من كأس المجد بضع قطرات، ليناموا، كالأبطال ، ويلتحقوا بقوافل الشهداء المستمرة.
اياك ، يا أم الشهيد، أن تبكي في هذه الذكرى، بل راقبي أفواج أولادك تصلي، تصلي له.. لابنك... راقبيهم بعين الطمأنينة.
لا لم يرحلوا سدىً ولم يصبحوا ذكرى يأكلها النسيان..
فقفي، وارفعي ذراعك عاليا ً ، فلا يليق بأهل الأبطال الحزن، بل اعرفي أن الأوطان وان بنيت، فعلى أكتافهم ستستمر.
لا تقلقي، يا أم الشهيد، يا أم الوطن، ان تحامل البعض عليهم، فالنسر في عليائه يبدو صغيرا ً في أعين من لا يعرف الطيران.
ها أيلول المصبوغ بأحمر الشهادة يأتي، وترحل قوافل التجار من بلادي..
الا أن وجوه الشهداء باقية لا تتغير
فهم هم.. فحين نفتقدهم، نجدهم في أعين أمة أبت الموت..
نراهم في أصوات الأجراس وشموخ الجبال..
لأنهم في قمة المجد، ولأننا أمناء على الرسالة، ولأن ألاف الأبطال ارتفعوا لنحيا، نجدد وعدنا، أمامك يا سيدتي،وأمام الله، بأن نبقى، وأن نستمر، حتى لا ندفع الأثمان مضاعفة...
لا تفتشي زواي الحقو ل ومرابض الأسود..ولا تسألي بَواب الدهر...
بل تأملي السماء وحدثيه ،فهل نسيت قول الانجيل المقدس؟
" لِمَاذَا تَبْحَثْنَ عَنِ الْحَيِّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟"

لأن لأمثالهم يليق الخلود، لأنهم فضلوا الموت كالأرز على الحياة كسائر الأشجار..
لأنهم، قديسون من هذاالشرق، شهداء الوطن المغدور والسيف المسلط..
لأنهم، وان غابوا، أحياء الى الأبد في أعمالنا!
فلتشبكي أيديك مع النجمات، ولتقفي في الأقبية السوداء... ولتنيري، بابريق زيت انتظارك،عتمة درب الحرية، الى فجر القيامة!

جبران تويني: يا سيف الحق لما بموت


رفيقنا جبران!
أحترق بنار الحقد، بعد أن أحرقت نار الغدر صمت عينيك...
لم أستفق من الفاجعة، الا لأسمع قسمك المدويّ في سماء بيروت...

لن أطيل الحديث، فبقايا جسدك المتنائر على أطراف لبنان، وصلابة دمائك الممتزجة مع تراب الحرية، ترفع للسماء خير قربان..
حملتك الريح الى بحار ٍ أخرى، لتحمل لهم فجر انتفاضة كنت من عرابيها!

نذكرك اليوم في كل الأماكن...
من صفحات النهار، الى شاشات التلفزة! من مجلس النواب الى ساحة الحرية!
فارقتنا في مثل هذا اليوم، تاركا ً لنا ابتسامة بريئة، تحمل الأمل بغد ٍ مشرق...
غير أن كل الأيام لن تكون كالأمس... فساحات الحرية ستفتقد رنة صوتك، وستفرغ الصحف من قلمك الصلب...
ستغيب عن عيوننا، لا كالميت لتُثرى، بل كالنسر يختفي بين الغيوم....

واليوم، بعد أن مارست قولك بالفعل ، وقدمت للبنان أنشودة جديدة، ستُغَردُ في الغد بين كل الوديان والجبال...
رفيقنا جبران!
لسنا قوما ً يبكي شهداءه على الأطلال...نحن من لبنان! وطن الشهادة الحرة!
نحن من جباله صُنعنا، وبعشق الوطن جُبلنا!
نحن أصحاب حق ٍ ، وطلاب حرية!

نعاهدك، أن نبقى أمناء على الرسالة ، رسالة الحرية...
نعاهدك أن ايمانك بالشباب، لن يكون هدرا ً بل أننا سنكون مدماك بناء الدولة الحديثة!
نعاهدك، أن يصبح جثمانك، قوتا ً لانتفاضة الاستقلال فنكمل مسيرة النضال...للبنان الجديد!

لتبقى دائما ً ، مشرقا ً ك"النهار" و ليبقى صوت الحق، منك، عبرنا "يودي"....

مي شدياق : بطلة من لبنان


رفيقتي...
كالأرز حلقت عاليا ً ، حاملة المجد في طيات صوتك....
كالزهر في الثلج، أثمرت مقاومة ً و انتفاضة ً في أوهام السلم...

لأن صوتك كان أعلى من بنادقهم، ولأن عشقك للحرية أقوى من شغفهم بالموت،
لأنك من تراب لبنان صنعت مستقبلك ، ولأنك اخترقت حاجز الفناء،
فلك ِ، مّي شدياق، ألف تحية وأنشودة نصر، تحملها اليك الريح مع كل صباح جديد يشرق، في لبنان الوردي، الحرّ بأمثالك!

استقلال ٌ جديدٌ على الأبوب


تعود الذكرى
كما في كل 22 تشرين..
فنرمي بضعا ً من أثقال الكتف الأيمن، الى يسراه، ونكمل درب الجلجلة، تحت شمس تغيب عنها الألوان..
يأتي 22 تشرين، ككل عام، فتسقط معالم الوطنية، أمام حلم وطن، وأنشودة حرية..

في هذه الذكرى،
ننسى طلقات المدافع، واستقبالات التهنئة بالعيد الكريم، لنرتمي في أزقة الظلام ، نبحث عن أشلاء رفيق خسرناه، ونراقب أفق الأيام، نحلم بعودة السفينة، ليعود الأبطال...
في هذه الذكرى،
نمرّ عن الأَََعلام ِ مرور الكرام ، ونجلس تحت الريح، نحمل وردة ً، وقبلة، نضعها بشجن ٍ على تراب شهيد.. نُرنم بضع أغاني مطر لنسرق لحظات فرح، من قافلة مستمرة...
نرتمي على مذبح قديم، يحمل عنق المأساة، لنراجع أمسيات النار، في زمن بعيد..
نرتعش أمام وهلة النصر... أمام أحلام ٍ عشقناها بتأن ٍ ...
نعود الى لحظات ألم ٍ، ونحمل الخوف بتأن ٍ ، عل ّ الصمت يعبر كالكلام...
تحملنا هذه الذكرى، الى أسطورة وطن، يخاف الحياة...

نكفف لأم ٍ دموعا ً يتيمة.. عن ولد ٍ رحل ليصبح نجمة في السماء...
نصافح رفيقةً ، سقطت يدها شهيدة الاستقلال، ونناجي آخراً سبقنا الى العرش...

في هذه الذكرى،
نصلي...نصلي لعودة أبناء ٍ طواهم غبار النسيان، وتبقى ذكراهم كالجمر في الرماد...
نصلي لهم، ليخرجوا الى النور فيبصروا شعاع القيامة، مع لبنان الجديد...

في هذه الذكرى،
اجعلوا من الاستقلال اعصارا ً ، أو عاصفة شمالية، لتعيدوا البسمة الى وجوه الأرامل...
اجعلوه نورا ساطعا ً، يحمل الأمل للمعتقلين، بغد ٍ أفضل...
اجعلوه هدير أمواج، يطيح بتجار الهيكل...
اجعلوه غابة أرز، تكمل الانتفاضة...حتى النصر!
لا تفرحوا ولا تنثروا الورد، فالفرحة تحترق بغصة ٍ ، والاستقلال المنشود لا يزال بعيدا ً... لا تسكروا بالانتصار، فالطريق طويل، والسقوط تحت الصليب محتم ٌ !

في هذه الذكرى،
نخاف الاحتفال، فهيبة الموقف تستدعي الحزن...
ما من استقلال منقوص...
ما من استقلال دون وطن... ما من وطن ٍ دون حرية... ما من حرية دون الجميع...

علّ الذكرى القادمة، تحمل أفقا ً جديد... لنصبح من التاريخ، صانعي المستقبل!