Saturday, January 6, 2007

الى بشير : في ظلمة الأيام!

بينما كانت تمر يدي على رف مكتبة تآكلها الغبار، انسلت كأنها تبحث عن ماض ٍ أليم!
سرقت من احد الرفوف كتابا ً وفتحته...فتوقفت ساعة المساء للحظات...

هي صورة...وليست ككل الصور!
طفل ٌ صغير، لم يتجاوز سن السابعة، يحمل الدمعة في عينيه ويحبس أنفاسه. يداه تتمسكان بقطعة خشب كأنها صخرة الخلاص!
انها يافطة صغيرة، حكت ما يكفي من الكلمات لتغتال الوطن :"وداعا ً يا عمر المسيح – أطفال الفياضية"
انه بشير...ابن الثلاثة وأربعون وردة في سماء لبنان...
مرت قافلة الشهداء من أمامي- غاضبة – يقودها بشير من جديد

سمعت صوته يدوي بين الغيوم...يعلم الوفاء والمقاومة لأشباه الرجال!
ذُهلت!
أمسكت قميصه الأزرق، ورفعته ليستفيق!!! صرخت كمن فقد حبيبه:" قف! حطم تابوتك الخشبي! عد لي، عد لنا! عد للبنان..." وعلى صوتي قطرات الخشوع والغضب...
رمقني بنظرة أوقفت مجرى الدماء في عروقي، وأجاب بصوته المعتاد:

"أعود؟ وهل رحلت؟"
ثلاثة كلمات اختصرت الواقع كله...فالشهداء لا يرحلون..
عادت المشاهد من ذلك المبنى المنقض على الحطام...
مرت صولانج تبحث بين التراب عن شيئا ً يقيها الدموع! لرب ّ تعثرعلى بضع ٍ من بشير...
تذكرت صورة بيار، والدمعة الناصعة التي تمايلت على وجنتي المارد...
تذكرت الأيادي التي امتدت الى الأفواه تسكتها ! فما من كلام دون بشير ، وما من أحلام ٍ دون بشير ! فهو الحلم، وهو كل الكلام!!
كل الناس شربت كأس الجنون...وانحصر العالم كله في تلك البقعة من المبنى المشؤوم...فسنين الانتظار ولت.. والأحلام والوعود...انهارت...
غابت العصافر عن بكفيا في الصباح التالي فهي رفضت الغناء في أزمة الصلاة!
خيم سكون ٌ غريب على الأجواء
فها هي عين الرمانة تصرخ صامتة لبشير...
وها هي زحلة تعصر كرومها دماءا ً ، حزنا ً على بشير...
وها هو المتن الذي أنجبه، ينعي طفلا ً فقده...
وها هي الأشرفية تبكي حبيبها..ففي كل الشوارع بقايا من بشير...
وها كسروان وجبيل، والشكال المتين والجبل المنيع، وكل صلابة الوديان تنحني كالمفجوعة عليه
ها هم أبطال المقاومة يسجنون شفاههم الثقلة بالدماء والأنين...
وبين الحين والآخر، تسمع من احد البيوت بكاء مسترسل نامت عليه الأشجارفي ذلك اليوم!
مات بشير...كيف يموت؟
وهل بذور الثورة في عيني الأبطال تموت؟
هل يموت الأرز في العواصف؟
رفض الناس الواقع! أبوا التصديق أن باب السماء فتح لبشير...
أرادوا ابقاؤه بينهم، بين أيديهم!
تنشطر القلوب حين يتذكرون أنهم لن يروا قامته بعد اليوم...
لن يدوي صوته في قمم الجباب ليمنع المحتل من النوم...
لن يسكب كأس الخمر لرفاقه ، لن يسقيهم المجد بعد اليوم!
التفت الى السماء أراقبها!
سماء ٌ رصعتها نجوم الشهداء...
خرج بشير من الأرض عبر الباب العريض...تركنا نبحث عن ضوء ٍ في كل مكان!
علمنا ان الايمان يفرض التضحيات، وبذل الذات من أجل لبنان هو قمة العطاء...
أعطى الكثير...وله منا الكثير...
أعطانا روحا ً تنبض في عروقنا، وطنا ً نحلم ببنائه، ومجتمعا ً نسعى لخلقه...
وله منا اليوم، أن نعاهده الوفاء ، ونحمل مجددا ً الشعلة لنضيئ سماء لبنان...

تذكرت خطابه الأول عام 1974 حيث قال :"لقد قررنا أن نبقى في الشرق زهرة، وفي العالم ضميرا ً، فهبوا يدا ً واحدة وقلبا ً واحدا ً الى النضال والكفاح من أجل لبنان الرهان!"

غير أن صوت بشيرأيقظني من سباتي...
تذكرت- يوم رحيل مايا- ما قاله "مايا متلا متل هال 5000 شهيد"
اذا ً "بشير متالو متل هال5000 شهيد"
فعاش الشهداء لنا، نورا ً في ظلمات الوطن، ودمنا لهم حصنا ً منيعا ً في وجه العواصف والرياح العاتية!
لك، بشيرجميل، القائد الشاب، ألف تحية!

No comments: